قصص خلف كل جدار

قصص خلف كل جدار

أسماء محمد حسن هيتو
[email protected]

قال الرَّاوي :
في ذات يوم من الأيَّام .. اختلف زوجانِ والنَّاسُ نِيام ..
هيَ .. تدَّعِي أنَّها أفضلَ منهُ .. وهو يقول : بأنَّ القوامةَ لهُ ..
تصرُخُ تارةً لتُظهر قوَّتها .. ويرفعُ يدَهُ تهديداً لها ..
إلى أن تسلَّلت أنوار الصَّباح .. وابتسمت الشمسُ للصبايا المِلاح ..
وكان الزَّوجانِ لا يزالانِ في اختلافهما ..
وكانتِ المخاصَمةُ قد نالت من جُهدِهما ..
وبلغ خبرهُما الجيرةُ والنَّاس .. وسرى حديثهما من غير أساس ..
حتَّى قرَّرُوا رفعهما إلى القاضي .. لِيَحكُمَ بينَهم بالتراضِي ..
ودخل الزوجُ تُدافِعُهُ زوجتُه .. والنَّاسُ قد تحلَّقوا ليسمعوا القاضيَ وحِكمَته ..
وسألَ القاضِي عن سبَبِ المُشكلة .. وعن أصلِ المسألة ..
فردَّتِ الزَّوجَةُ بغضَبٍ ظاهر :

 أليستِ المرأةُ أفضلَ من الزَّوجِ الماكر ؟؟؟؟
الرَّاوي : وهنا صاح الرَّجُلُ والشَّرَرُ يتطايرُ من عينيه :
الـزَّوج : أنا الرَّجُلُ الذي يأمُرُ ويَنهَى ولا يُؤمَرُ عليه .
الرَّاوي : وهدَّأ القاضي من روعِهِما .. وأجلسَهُما وسألَهُما ..
القاضي : بِمَ تدَّعين الفضلَ يا أُمَّ البنين ؟؟
وتهضُمين حقَّ هذا المسكِين ؟؟

الزوجة : أنا المرأةُ والفضلُ لي في إنجابِ الرَّجُل .. وتُضرَبُ في حُسنِ تربيتِي المُثُل ..
الـزوج : خلقني الله قبلَكِ .. فمن أينَ تدَّعينَ فضلَكِ ؟؟
الزوجة : أنا أمُّ العِيال .. ومربِّيَةُ الأجيال ..
والصَّنَاعُ الماهِرة .. والنَّاهيَةُ الآمِرة ..
وقد أمرَكُمُ الشرعُ باحترامِي .. وجعَلَ الجنَّةَ تحتَ أقدامِي ..
الـزوج : أنا آمُرُكِ وأنهَاكِ .. والطَّاعَةُ واجِبةٌ مِنكِ ..
والجنَّةُ والنَّارُ لكِ بِرِضائِي .. فهل تنكرِينَ نعمائي ؟!!
الزوجة : هل نسيتَ أنِّي مَدرَسَةٌ لِكُلِّ رجُل ..
وبِدَفعِي ومُجاهَدتِي يكُونُ البَطَل !!؟
الـزوج : ونسيتِ أنِّي أختَارُ لكِ الحياةَ الكريمة ..
لأُنشِأ بِكِ أُسرةً عظيمة ..
الزوجة : ونسيتَ أنِّي فتَاةٌ ذَاتُ حَسَبٍ ونسب .. وجمالٍ وأدب ..
فكَيفَ ترضَى إهانتِي .. وتسيءُ مُعامَلَتي ؟؟
الـزوج : أنَسِيتِ أنَّكِ جاهدتِ وكابدتِ ..
حتَّى أرضى بِكِ زوجةً في بيتي
..
ولو لم تتزوَّجينِي .. لَبَقيتِ أبدا عندَ أهلِكِ تنتظِرينِي ..
الزوجة : أنتَ مَن ظَلَلتَ تَركُضُ ورائِي لِسنَوات ..
وتُزَّيِّنُ لِي كالشيطانِ ، كُّلَّ الأُمنيات ..
ولا زِلتَ تُغريني وتكذبُ عَلَيّ .. حتَّى ظَننتُ أنَّكَ الزَّوجُ المِثاليّ ..
ويالهَا مِن خُدعَةٍ دنيئة .. تُنبِأُ عن خِصَالِكَ الوضِيعة ..
خدَعتَني بها .. وتَخدعُونَ كُّلَّ البنات ..
وتدعون لأنفُسِكُم .. أسمى الصِّفات ..
قالوا قدِيماً : لا تَأمَنِي على جِنسِ الرِّجَال ..
إلاَّ إذا أمِنتِ على الماءِ بِالغِربال ..
الـزوج : إتَّقي ربّكِ فيني يامرأة ..
فلَو أُمِرتِ بالسُجُودِ ، ستسجُدينَ صَاغِرة
..
الزوجة : أينَ تَرى رِقَّتي وإحساسي .. ومُداراتي لأصحابِ الباسِ ؟؟
ونُعُومتي وجَمالي .. وتَرفي ودَلالي !!
الـزوج : هذا ما تَفخَرينَ بِهْ .. وتُدافِعينَ عن مبادِئِهْ !!
بِحقٍّ أنَّكِ الجاهِلَة .. والمُسرِفَة الماكِرَة ..
الزوجة : إن كُنتُ كذلِكَ ، فسَفَهٌ مِنكَ أن تَركُضَ ورائي ..
وتتحمَّل كُلَّ شيءٍ ، مُقابِلَ اقتِنائي ..
الـزوج : لا ترمِينِي بالسَّفَهِ يا ناقِصَة ..

فلا يَرمي الناس ، مَن بِهِ مَنقَصَة ..
على كُلِّ حالٍ أنتِ امرأة .. والأنثَى لا تَملِكُ السَّيطَرة ..
الزوجة : هل تَنعَتُني بِصِفَةِ الأُنثَى والمرأة !!! أما إنَّها لَجُرأة ..
أما سمِعتَ قول الشَّاعِرِ العظِيمِ المُدافِع .. عن حقِّ المرأة المسكينَةِ الضَّائِع ..
عِندما قال : فما التأنيثُ لاسمِ الشَّمسِ عيبٌ * ولا التَّذكِيرُ فخرٌ لِلهِلال
الـزوج : تَفخرِينَ بِزِيادَةِ المَكرِ والغَدرِ والخِداع ..
على الرَّجُلِ المِسكينِ المُلتَاع
.
وإذا نظرتُ إلى الكيد .. سَأجِدُهُ عندَكِ بِلا قيد ..
الزوجة : أنتَ الذِّي لا يُؤمَنُ غَدرُك .. ولا يُقبَلُ عُذرُك ..
تبخَلُ عَلَيَّ بِأتفَهِ الأشياء .. وتترُكُ دائي دون دواء ..
الـزوج : كلُّ هذا الإنفَاق ، وتقولينَ بخيل ..
مَنِ الذِّي يُلبِسُكِ الذَّهبَ والماسَ الأصيل ؟؟!!
الزوجة : ولكنَّكَ لا تهتمُّ بِأمرِ البيتِ والعِيال ..
أقصى ما هُنالِكَ .. هو بذلُ المال ..
الـزوج : وهل تَظُنِّين ذلِكَ بالشَّيء القليل ؟؟
كيفَ تعِيشِينَ وعِيالُكِ بدونِ المالِ ، يا ذاتَ الوجهِ الجميل !!
الزوجة : ماذا جَنيتُ في حياتِي يا ربِّي ؟
حتَّى بَلوتَنِي بزَوجٍ يزيدُ كربي
..
لقد رفضتُ الخُطَّاب إثرَ الخُطَّاب ..
وأغلَقتُ في وجُوهِهمُ الأبواب ..
وفضَّلتُكَ عليهِم .. وأغمضتُ عينِي عمَّا لديهِم ..
ولكِنَّكَ خدعتَني يا صَاحِبَ الوجهين .. وكانَ كلامُك كلُّهُ كَذِبٌ ومَين ..
كُنتُ أعيشُ عندَ أهلي زهرَةً فوَّاحة ..
آمُرُ وأنهى .. وكل طلباتِي مُتاحة ..
فلماذا قَضيتُ على نفسِي بالحرمَان !! ووضعتُكَ بِجانِبي في المِيزان !!
إنَّني لم أرَ منكَ خيراً في حيَاتي .. وأنتَ تتجبَّرُ علَيَّ لضعفِي وأناتِي ..
أتَظُنُّ أنِّي أصبِرُ عليك .. لِسَوادِ عينَيك ؟؟؟؟؟؟
الـزوج : لا تكوني ممَّن يكفُرنَ العشير ..
فأنتِ تعرِفينَ مصيرهُنّ ، ويا لَهُ من مصِير
..
ودعي عنكِ كلاَمَ العَامَّة .. والتفِتي للأُمورِ الهامَّة ..
الزوجة : تهزَأُ منِّي لتَترُكَني وَحدِي طِيلَةَ النَّهار ..
مع البيتِ والعيالِ وانتِظارِكَ في آخِرِ المِشوار ..
لتأتِيَ بِكُلِّ سَعادَةٍ وحُبور ..
وتَتَناوَل الطعَام بسُكوتٍ تامّ ، والله وحدَهُ يعلَمُ بِرَأسِكَ ما يدور ..
الـزوج : أنا !! لا أهزَاُ بِكِ .. ولكِنَّهُ صِغَرُ عقلِكِ ..
ثُمَّ .. ماذا يدُورُ بِرأسي يا مُتمرِّدة ..
العمَلُ يَأخُذُ
وقتِي وجُهدي كُلَّه يا سيِّدَة ..
الزوجة : هاه .. عن أيِّ عمَلٍ تتحدَّثُ بِهذِهِ الجُرأة !!
أنا أعرِفُ مَن يعمَلُ معك ، وبالذات تِلكَ المرأة ..
فتاةٌ حَسناءُ بِعُمرِ الزُّهور .. تراها ، فيتُوه عقلُكَ وراءها ويدور ..
الـزوج : أيُّ فتاةٍ هَذِهِ التِّي أضاعَت عقلَكِ ..
وتركَتكِ تهذِينَ بِما لا يليقُ بِكِ
؟
الزوجة : مِراراً حرَّصُوا وأكَّدُوا قديماً وقالوا ..
عن عدمِ تَركِ الأمانِ للرِّجالِ مهما صالوا وجالوا ..
الـزوج : هل تعرِفينَ أنِّي أستطيعُ الزَّواجَ بِأُخرَى .. ولن تقدِري على مَنعِي بالمرَّة !
الزوجة : إذا فعَلتَها ، ستَكونُ عاقِبَتُكَ وخيمَة ..
ستَرَى ما أفعَلُ بِهذِهِ اللَّئيمَة ..
سَأُقَطِّعُها إرَباً إرَبا .. وأجعلُ رِضاءها بِكَ عِبرَةً وكربا ..
سأُسلِّطُ عليها داءً بالأعداء .. لأشغَلَها بالبحثِ عنِ الدَّواء ..
ولن تجِدَ دواءً غيرَ تطليقِها .. وبِذلِكَ ترجِعُ لي وتترُكُها ..
الـزوج : يالكِ من شِريرةٍ ماكِرة ..
( أليست
هيَ الأُخرى ، داهِيةٌ ساحِرَة )
ولكِن لا تُصَدِّقي كُلَّ ما يُقَال .. فأنا أحببتُ فقط أن أضرِبَ لكِ مِثال ..
ثم .. ثمَّ كيفَ التَّفاهُمُ معَكِ ياذاتَ الضِّلعِ الأعوج ..
إن قوَّمتُهُ كسَرتَهَ ، وإن ترَكتُهُ .. سيظلُّ أعوج ..
الزوجة : سترى إن سَكَتُّ عن هذِهِ الإهانة ..
سَأُشَهِّرُ بِكَ بالدلِيلِ والشَّرحِ والإبانة ..
حتَّى تستحيَ أن تمشِيَ بينَ النَّاس ..
وتبقى بينهُم منكوسَ الرَّاس ..
الـزوج : ماذا أفعَلُ بِكلِماتِكِ الضَّعيفة .. وأنا رمزُ القُوَّةِ العنيفة ..
الزوجة : إنَّكَ تَجرَحُ بِكَلِماتِكَ قلبي .. وأنا قارُورةٌ من خَلقِ ربِّي ..
ورِفقاً بالقواريرِ الرقِيقة .. ولا تُثقِل على الفتاةِ العريقة ..
الـزوج :.. ضعِي عقلَكِ في رأسِكِ يا زوجتِي ..
فأنتِ السَّيِّدةُ الأولى في
بيتِي ..
ولَكِ كل الحبِّ في قلبي .. فأنتِ تنيرينَ لي دربي ..
وأنتِ أُمُّ أولادي ، وتُحفتي الغالِية .. ولن أستبدِلَ بِكِ أبداً زوجةً ثانِية ..
الزوجة : وأنتَ لي كلُّ شيءٍ في حياتي .. وأملي الكبير في معاشِي ومماتي ..
وأنتَ نورُ عيني التِي أُبصِرُ بِها .. والحياة التي لا حَياةَ لي بدُنِها ..
وأنتَ الشَّمسُ التي تُضيءُ لي نهارِي ..
والقمرُ في ليلي الذي يهونُ لهُ انتِظاري ..
الـزوج : ياه .. ما أجمَلَ كلِماتِكِ يا زوجتي صاحِبَة اللِّسان الظَّرِيف ..
فأنا أعرِفُ حُبَّكِ لي ، وإخلاصَكِ الشَّريف ..
القاضي : لماذا جِئتُما ؟؟ هل انتهت مُخاصَمَتُكُما ؟؟
الزوجة : نحنُ لم نختَصِم أيُّها القاضي الغالي ..
إنَّما هيَ من دردَشاتِ وسَهراتِ اللَّيالي ..
القاضي : إذاً فهيَّا افرُقاني إلى البيتِ .. فقد أضعتُما وقتي ..
وإذا طَرَحتُما موضوعاً لِلمُناقَشة .. فارفَعا شِعارَ الدَّردشة ..
واخفِضا صوتاكُما حتَّى لا يسمَعَ الجيران ..
ما يجرِي ويدُورُ من وراءِ الحيطان ..
الزوجة : هيَّا يا تاج الراسِ .. ويا أسَاس الأساسِ ..
الـزوج : هيَّا يا زوجتي الغالية الحبيبة ..
فالأولادُ بانتِظارِ شطائِرِكِ العجِيبة ..
قال الراوي :
وهكذا نُسدِلُ السِّتارة .. عن أحاديثِ الجارِ والجارة ..
لِنَترُكَ كُلَّ زوجٍ معَ زوجتِه .. يتحدَّثُ كُلٌّ مِنهُما على سجيَّتِه ..
وترجِعُ القُلُوبُ كَما كانت صافِية .. حتَّى يَختَلِقوا رِوايةً ثانِية ..
إنَّها قِصَصٌ تَتكرَّرُ خَلفَ كُلِّ جِدار .. لِتَترُكَ الإنسانَ في أكبَرِ احتيار ..
مِن تَغَلُّبِ الأفكار .. إمَّا خَسارَةٌ أو انتِصار ..
وإذا سألتَ عنها خبِيراً بالأُمورِ الخَفِيَّة ..
قال
: إنَّها بَهار الحياة الزَّوجِيَّة ..
وبِدُونِها تُصبِحُ الحياةُ مُمِلَّة .. وليسَ بالضَّرورَةِ أن تكُونَ هُناكَ عِلَّة ..
فهُم يقولُون : بِأنَّ اختِلافَ الرَّأيِ لا يُفسِدُ للوُّدِّ قضِيَّة ..
والعِتابُ .. والتَعتُّب من آثارِ المحبَّةِ المخفِيَّة ..
وهُنا .. ليسَ لنا إلاَّ السُكوت .. وتفويتُ مالا يفُوت .. والرِّضا بالواقِعِ المكبوت ..