خروف عمو أبو فارس
محمد الخليلي
طبعا ، لاأحد تنتابه الدهشة في العلاقة الحميمة للعم أبي فارس بأهل الحي فهو قريب القريب والكبير والعميد ويحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من أوربا ؛ لذا فالكل يعتبرونه كبير العائلة ومنهم من يعتبره وجيه الحي ، لم لا وهو الذي يتصدق على فقرائهم ويعين ضعفاءهم ، علاوة على ذلك فقد ساهم في بناء مسجد الحي . وتروى عنه قصة غريبة أنه مرة جاءته سائلة ولم يكن يحمل محفظة نقوده لأنه كان في دكان الحي يشتري منه بعض الحاجيات ، طبعا كان يلبس البيجاما ، لأنه متواضع ولا يلبس الملابس الرسمية إلا عندما يذهب لأماكن رسمية ، طبعا أيضا فهو لايحمل محفظة نقوده لأنه يشتري من هذا الدكان بالدين . طبعا ثالثا هو غير محتاج للاستدانة ، ولكنه( يمون) على الجميع والكل يتمنى أن يتعامل معه ، لاسيما صاحب الدكان المسيحيُ ، نعم إنه مسيحي ، لذا فإنه يسدد له آخر كل أسبوع كامل المستحقات عليه ، بل وأيضا رابعا يزيده فوق الحساب، لم لا فهو يريد أن يري المسيحيين صورة كريمة لتعامل المسلمين مع غيرهم . المهم في الموضوع أنه طلب من المسيحي أن يقرضه قطعة نقدية حتى يدفعها لهذه السائلة . أخرج جورج قطعة من فئة الدينار وأعطاه إياها فنظر إليه أبو فارس شذرا ، وقال له أعطني أكبر فئة نقدية محلية ، فما كان منه إلا أن أعطاه ورقة من فئة الخمسين دينارا ، ولو طبع المصرف المركزي ورقة من فئة الألف دينار لكان دفعها أبو فارس المحسن الكبير لهذه السائلة .
دارت القصة بين أهل الحي وبدأت تدور من بيت إلى آخر ، كيف أن المحسن الكريم الدكتور أبو فارس استدان من جيرنه خمسين دينارا ليعطيها لمحتاجة هو لايعرفها ولايعلم مقدار حاجتها أو صدق مسألتها ، إنه لايتحرى أبدا ، ماإن يفتح السائل فاه وقبل أن ينبس ببنت شفه حتى ترى المحسن الدكتور يدس يده في جييبه وينتقى أكبر قطعة نقدية يحملها في محفظته ويعطيها له قائلا لمن حوله : (أظهروا الصدقات فهو خير لكم )،
طبعا فهو يقصد الآية الكريمة من سورة البقرة ( إن تبدوا الصدقات فنعمَّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) ،
طبعاً لا ضير إن روى العم أبو فارس الآيات بالمعنى رغم أن إمام المسجد نبه غير مرة لعدم جواز ذلك ، ولكن في حالة الدكتور أبي فارس فجائز حتما ،
طبعاً لاغرو في أن ينتقي الدكتور أبو فارس من الآية الكريمة الجزء الذي يناسب سياق حديثه ويغفل شطر الآية الآخر والذي لايخدم مصلحته ، رغم أن خطيب الجمعة في مسجد الحي حذر المصلين مرارا وتكرارا من أن هذا هو دأب بني إسرائيل ، من هذه ايات التي توضح ذلك قوله تعالى من سورة الأنعام : ( تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ) ، وقوله عز وجل في موضع آخر ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟ ) وآيات أخرى كثيرة في السياق كان فضيلة الخطيب ينبه الناس إليها ،
طبعا لأنه جديد عهد بالالتزام بالدين وعاش ردحا من الزمان في أوربا الشرقية وقد كان ممثل الغرفة التجارية العربية هناك ،
طبعا لايجوز أن نفتنه عن دينه ، ولا يحل لأهل الحي ولا المصلين أن ينبهوه إلى مثل هذه الأخطاء الفاحشة .
طبعاً فقد بدأ الدكتور يصلي الصلوات الخمس في المسجد وهذا في حد ذاته نصر كبير .
طبعا فإنه علاوة على ذلك يبدي الملاحظات لخطيب الجمعة في الموضوعات التي يجب أن يتحدث فيها ،
طبعاً فهؤلاء الذين يتكلمون يوم الجمعة والإمام يخطب يستحقون خطبة كاملة ،
طبعاً والذين يتخطون الرقاب أيضا يستحقون أخرى ،
طبعا الذين يتحرون عن صدقاتهم فيسألون الفقير عدة أسئلة للتأكد من مصداقية طلبه الصدقة فهؤلاء طبعا يلزمهم خطبتان أو أكثر لأنهم يريقون ماء وجه الفقير ويهدرون كرامته ،
طبعاً يحق للعم أبي فارس أن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤون المسجد لأنه المتبرع الأكبر فيه وكلما نقصت ميزانية المسجد فيدفع بالعملة الصعبة وليس بالعملة المحلية .
طبعاً لأنه يملك محل صرافة وعنده مصنع في أوربا للزجاج يبيع الزجاجات الفارغة لمصانع العصير والخمور وغيرها ،
طبعاً هو غير مسؤول عن حرمة ذلك فهو يصنع زجاجاً يمكن أن تعبىء المصانع فيه خمرا أو عصائر أو غير ذلك .
طبعاً هو لايبيعها الآن لمصنع الخمور مباشرة بل هو يبيعها لوسيط والذي يبيعها بدوره لمصنع الخمور ،
طبعاً فمنذ أن أصبح الحاج أبو فارس متمسا بأهداب الدين الحنيف صار لايتعامل مع مثل هذه المصانع المشبوهة مباشرة .
طبعاً فالحاج أبو فارس كريم إلى درجة أنه عندما يعتمر في العشر الآواخر من رمضان يقيم في فندق دار التوحيد ذي العشر نجوم في مكة المكرمة ومثيلها من الفنادق في مدينة رسول الله ،
طبعاً لأنه يريد أن لاتقل تكلفة عمرته للمعتمر الواحد من أفراد عائلته عن عشرة آلاف دينار .
طبعاً إنه يصطحب معه عشرا من أقربائه معه منهم أمه وأخواته وإخوته وبعض الجيران ،
طبعاً هؤلاء ليس بالضرورة أن يقيموا في فندق دار التوحيد ، فهم يرتاحون أكثر في فنادق متواضعة .
طبعاً فلسفتهم في ذلك أن التقشف في العبادة مضاعف للحسنات ، أما فلسفته فتقوم على أن زيادة الحسنات تتناسب طردا مع زيادة النفقات في الحج والعمرة ،
طبعا ً ، أليس الذين ينتفعون من نفقاته الباهظة مسلمون ؟
توفي والد سائقه الخاص بعد مابقي يصارع المرض الخبيث ستة أشهر . تناقل أهل الحي الخبر ، واجتمع رأيهم على أن ينتدبوا فريقا منهم وعلى رأسهم طبعا الدكتور أبو فارس للمشاركة في تشييع الجنازة والدفن وتقديم العزاء لآل الفقيد ،
طبعاً لابد أن يذهبوا بسيارة الدكتور لأنها أفخم سيارة في الحي وعندما يذهبون بها إلى قرية المتوفى حيث سيوارى جسده إلى مثواه الأخير فهذا مناسب لهيبة الموكب الجنائزي الذي سيسير إلى المقبرة تتقدمه سيارة الدكتور الفارهة سوداء اللون ،
طبعاً فإن الدكتور أبو فارس كعادته اعتذر في اللحظات الأخيرة عن المشاركة لأن معالي الوزير اتصل به وأخبره أن يحضر إليه حالا في مبنى الوزارة للتوقيع بالأحرف الأولى على صك العطاء الذي أرساه عليه معالي الوزير والذي تنوف قيمته عن مليوني دينار .
اتصل الدكتور أبو فارس بمدير أعماله وأوعز له أن يرسل برقية تعزية طويلة ومعبرة ومؤثرة لآل الفقيد وأن يحجز صفحة كاملة في أشهر صحيفة محلية لتقديم العزاء لأهل المرحوم عبر الصحافة وأن تذبح خمس خراف لإطعامها الفقراء عن روح الفقيد الكبير ،
طبعاً لا ، فلتكن عشرة ،
طبعاً : خمسة بمناسبة العزاء وأخرى بمناسبة رسو عطاء معالي الوزير عليه .
طبعاً ماذا عسى أهل قرية الهاشمية حيث العزاء أن يستفيدوا من مشاركته الجسدية في مراسم صلاة الجنازة ودفن المتوفى ؟
طبعا لابد من تطبيق ( البراغماتة ) هنا وإحلالها مكان العواطف العزائية والمجاملات التي تكون في معظمها غير صادقة ،
طبعاً خروف واحد يشبع أهل القرية فهم الذين لايطعمون لحمه إلا في مناسبات الفرح أو العزاء ،
طبعاً فما بالك طبعاً بعشر خراف ؟؟