المعتقل القرد

الزنزانة رقم ""8""

زكرياء بوغرارة

هنا يثوي.. ليواصل رحلة الشقاء داخل العتمة الباهتة .. أحس كما لو أنه تلقى صفعة حادةعلى قفاه وهو داخل القبو الضيق.. إنه في حجم القبر.. العتمة تلفه كأنما هي كفن أسود يكتم انفاسه

 للحظة شعر  ان جدارات القهر كأيدي شيطان تمتد بأظافر طويلة لتخنقه

 وتلك البوابة الرمادية يا لها  من بوابة مقيتة كانما هي فم سمك القرش مفتوح...

 يظهر أن اضطرابه في اول الامر  ادى إلى إصابته بارتفاع مفاجئ في ضغط الدم..

 اقتحم الجلاوزة المنفردة في جوف ليل غدافي حملوه مقيد اليدين إلى الخلف بعد أن عصبوا عينيه بالخرقة الملعونة

الجلاوزة دائما يحرصون على حرمان ضحاياهم من نعمة النظر كان وجوههم عورة أو عنوان فضيحتهم.. وجوه بائسة بمقت  ولعنة من حرم النظر في صفحاتها السوداء كأنما انزاحت عنه الظلمة الحالكة

  في جنح الظلام افتادوه كاعمى فقد البصر لتوه...

شعور غريب إعتراه لحظتها شعور خاص لايلم بالنفس إلا في اوقات ناذرة جدا .. وبدا  له كأنه فقد كل شيء.. فقد الصوت والصورة ومعالم المكان

 لاشيء يجعلنا كبارا كالألم وحده الالم  كان يكبر وينمو في وجدانه جريح

 صاح الجلاد أبو صيحة بكل ما أوتي من قوة بصوت مكفهر لايخلو من قسوة...

 """ هيا  أسرع""

 احترس .. هنا حفرة تجاوزها  ... هيا أقفز.. في الهواء

 انتظر هنا ... طأطئ رأسك...

 يا لها من قامة إنحني أنحني تنحنج.. تزحزحز..."""

كان أبو صيحة جاف الطبع بعيني بومة جلاد غليظ القلب يهوى على ضحيته بالياط دون رحمة وبأ سواط  من الكلمات النابية ...

 وراء تلك الأقنعة المزيفة عتمة....

 كأنما هي قطعة من الجحيم.

 يا لها من سخافة  كبرى  ومشاهد متكررة  ألم اوجاع 

 تكرر المشهد الدامي في معتقل تمارة السر والمعاريف وفي ظلال العتمة وعنابر الموت..

 مجدداتمتد السخافة والترهل الى عتمة الجن المركزي  القنيطرة

 هكذا تحول من معتقل إلى مجرد قرد يقفز في الهواء يتنطط هنا وهناك بلا معنى...

 تلقت الجلاد أصول تربية القرود

"" اقفز.. انحني  نط ... اهبط...""

  هي حاجة في نف الجلاد قضاها بعد ان حول ضحيته إلى قرد

 يرتد صدى زعيق الجلاد وزبانيته مع وقع احذيتهم الغليظة

"" هنا حفرة .. اقفز .. هنا حفرة اخرى نط .. تعالى من هنا انحني هناك جدار انحني تماما هكذا  سوف تمر بينما هو  لا ينحني لاينط لا يقفز ولا يفعل شيء سوى الخرية بالمعتقل القرد وهو يسحبه كما يحب الأعمى أإلى عتمة المجهول ...

إنه الوهم .. الوهم الذي أراد الجلاد ان يجرعه لضحاياه .. حسوة قهر وإذلال ولعنة وغصص حرار لاتنقضي وجمرات لاتنطفئ

 ها هو يعيش في العتمة منكسر القامة يتنطط هنا وهناك  كالقرد الشامبانزي يثوي في قفصه الحديدي...

حلمه الصاعد ينتهي بإنكساره...

 يمتص سخافات  الجلاد كما يمتص القرد خافات البشر من حوله ودعاباتهم الثقيلة جداا

 تحول الضحية إلى مجرد قرد دارويني .. قرد اعمى يقفز كل دقيقة في الهواء والفراغ اللامتناهي ثم ينحني وينحني إلى أن يلتصق بالأرض

 مرة ليتجاوز حفرة وهمية في مخيال الجلاد وتارة لتيفادى الجدار الصلب الوهمي.. وهكذا دواليك...

 يوغل الجلاوزة في السخرية والاستهزاء ويوغل الضحية في الصمت تتجمع نفسه من شتاتها وضياعها لتصبح طاقة هائلة جدا تقاوم وتتحرك وتحرك....

 القهر لعبتهم كم هي لعبة سمجة في منتهى الغباء والترهل إنهم يرقصون رقصة الموت والذي يرقص رقصة الموت يخرج كل ما في جعبته.

 استسلم لاوامر الجلاد.. العصيان لايعني له وى المزيد من الألم والحزن ..

 ترك  العنان لأفكاره كم كان يبكي في أعماقه يشهق شهقات مكتومة يرتجف لها كيانه كله .. إحساس رهيب مؤلم كان يخالط مشاعره تلك اللحظة

 في العتمة كان الجلاوزة يرمون حجب وجوههم عن ضحاياهم بحرمانهم من معرفة تفاصيل وجوههم البائسة وتفاصيل المكان السري..  من اجل ذلك كانوا يجلرون ضحاياهم على الفقز  في الهواء  لتجنب حفرة كاذبة  او الانحناء لتفادي جدار  وهم... وزيف وخيال

الانحناء والقفز امام المجهول لعبة العتمة لتغيب تفاصيل المكان في الذاكرة

فلايرى الضحية في العتمة إلا تلك العتمة اللامتناهية.