بداية الألم

زكرياء بوغرارة

لشد ما أثارته تقلبات الدنيا في أفراحها وأتراحها وإبتساماتها المشرقة وأحزانها المقلقة, في بياضها الناصع كالثلج وسوادها القاتم كالغراب.. في دموع الفرح والقرح ...

 في إقبالها وإدبارها.. وكل حالاتها.. يرى  نفسه في مهب ريحها الهوجاء  كورقة تعابثها التقلبات في مدها وزجرها وصحوها وكدرها

 يتقلب مع صروف الزمن ويتكور كتكور الليل والنهار وتعاقبهما وكلما غرق في بوثقة السواد والتهمته المتاهة يتطلع لبزوغ شعاع من نور يبدد سطوة العتمة.

في محجريه الغائرتين دمعة وعلى شفتيه الذابلتين إبتسامة باهتة كلون الصفرة...

 أول الألم وجع صاحبه في الحل والترحال صبغ حياته بلون الأسى في كل شيء

 من زمن بعيد فقد طعم الأمان .. سكن الألم حدقتيه وأطل منهما يحمل صورة  قاتمة من البؤس.

ها قد غاذر النوم أجفانه وربما للأبد وحل محله السهاد والقلق الذي يدب في أوصاله كلما حل الغسق ... يحمل حقيبته الافتراضية ويرتحل إلى موسم الهجرة إلى المجهول في الظل والعتمة

 العتمة تحتويه إنها كالجمر تكويه من تلك اللحظة التي داهمت بيته خفافيش  الظلام لم تترك له فرصة ليلتقط أنفاسه....

 بادره الحاج بلكمة على صدغه الأيمن ثم تناوبته الأيدي والأرجل...

 هوى الجسد في الأرض,,, تعفر  رأسه بالتراب...

 ها قد إرتحلت السكينة عن قلبه لتحل محلها ليالي الرماد الملآى بالقلق الحبلى بالكوابيس

 إنه يذكر في هزيج الفوضى ومريجها ذلك اليوم....

 قال الحاج كابيلا بتهكم قاتل

_ ابتسم أنت في معتقل تمارة ... نحن  ميزتنا ان ايادينا طويلة بزاف1 

ثم استطرد قائلا كأنه عاصفة مباغتة

_ هنا دار الحق من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره2

 تقدم  نحوه خطوات ثم أردف قائلا ونثارات من نتن فمه تتطاير لها رائحة مقيتة...

_ كمارتك3

 يظهر لي اني رأيتها هنا من قبل

 أنت ممن عمل شرا

 هنا ستراه ولو مثقال ذرة

 ثم هوى على قفاه بصفعة ثقيلة لها صدى....

يمتعق وجهه من ألم الذكرى وهو يطل من كوة العتمة... تراءى له مشهد من شرخ الصبا إنه يبدو أمامه أبيض اللون صافي الوجه خال من الألم... يا لبياض الفرح الطفولي والبال الخالي والوفاض الخلي من الهموم والشجون...

ظل شاردا للحظات كأنه يشاهد مقطعا من فيلم قديم بالأبيض والأسود

بؤرة الذكريات فيها الاختناق والحصار  ومطاردة أخيلة الخيالات الهاربة من فوضى الاسترجاع  انها مملوءة بالعقبات والعثرات  والوحوش الضارية.. تنتشر في حقولها الأشواك ... رمز الوجع ولونه الدامي ...

 أليست الذكرى  موجعة في  العتمة؟؟؟

 ظل في الليل ينازع هواجس  يقظته... هاهي الأيدي القذرة تتلقف الثائرين لتفتك بهم أولا بأول... الموت البطيء قادم في العتمة.. هي تعلم أنها إن لم تفتك بهم اليوم فغدا سيسدون عليها الطريق.. لتنتشر هالة النور العظيمة الهائلة جدا....

هكذا هو في الليل أحلام وكوابيس ومقاومة للجلاد وفي النهار استذكار  مرير للحظات الموجعة ...

 في العتمة  يذكر تفاصيل ذلك الزمن الذي لن يعود يبتسم ابتسامة ألم بلا معنى.. لكنها ابتسامة  واثق بالحرية...

 تتوالى في العتمة أيام الألم وكأن لحظات الجمر لم يعد لها وجود

أنه ركام وغبار عاصف يمتد سيجيس الليالي ينتفض وينتفض وإلى أبعد مدى...

 ليس بميسوره الآن ... إلا أن يرسل تأوهات الحسرة على زمان الوصل الجميل...

 يهز رأسه وهو يرقب  حراس القهر في جوف الليل

 _  إنهم يألمون

بداية  الألم بداية حلم الحرية