زوُجة ساعي البرَيد
مجدي الرسام / بغداد
كل صباح يوزع يذهب سليم الى دائرة البريد وهو يكتري دراجته الهوائية التي كان يعتبرها بمثابة رسول الحب ؟ كان يجوب فيها شواع الحي وخاصة التقاطع الأخير من المنطقة القريبة من سكناه حيث تقطن حبيبته " حليمة " . وعند عودته الى المنزل في المساء كان يتشاجر من والده الذي يرفض باستمرار زواجه من حليمه ...لأسباب تافهة !
حليمه فتاة جميلة تتمتع بصفات القبول والابتسامة لا تفارق شفتاها ، وغالباً ما تتردد على السوق خشية اعتراض طريقها أو التحرش بها من شقاوات المنطقة . إلا سليم الذي كان يتربص كل صباح بوجهها العسلي خلف الباب .
أقتنع سليم برفض والده وبحججه الواهية وقرر أن يجمع أقاربه وأبناء عمومته عسى أن ينال رضى والديه . جمع سليم أقاربه في وليمة كبيرة وكان والده يحرك عينيه ساكناً وهو يتلقف عيون الباقين حوله وكأنها تتربص به الحقد .
وبعد عناء طويل وجدال استمر لساعات وافق والده على أن يتم الزواج ببناء غرفة خلف الدار لأنه لا يطيق شخصاً جديداً في المنزل .
كان سليم يجمع المال شهراً بعد شهر وقد استدان الكثير ليوفر متطلبات بيته الجديد وطلبات والده التي باتت تعجيزية .
وفي مساء يوم جميل اجتمع أهالي المنطقة من كبار السن ووالد سليم للذهاب لخطبة حليمة من أهلها ... في الطريق كان سليم يردد التراتيل والتسابيح الدينية ويقرأ سور القرآن التي يحفظها والقصيرة منها ..
جلسوا في بيت حليمة وتعالى الضحك والنكات والطرف البدوية ليكون الجو ملائماً ... ودقات قلب سليم كأنها محسوبة ( أمنيات فقراء ).
تحدث والده ووالدها ودخل بينهم رجال الدين ومختار المحلة وقرروا الزواج بعد شهر . أما سليم فقد ارتسمت عليه ملامح الحزن وهو لا يكترث لما يحصل بسبب والده المُعقد ، انه يفكر كيف ستؤول اموره بعد حين ...؟
تزوج سليم من حليمة ودخلت فناء الدار الى غرفته المشيدة حديثاً ولكن نظرات والده لحليمة كانت مشبوهة وهو يسرح بشاربيه ويسترق النظر الى أجزاء جسمها المكتظ .
وبعد مرور أشهر من زواجهما وفي مساء يوم ربيعي وجد سليم زوجته وهي منزوية في ركن الغرفة تجهش بالبكاء ؟؟؟
- حليمة ... مابك ..؟
- سليم والدك يزعجني ولا اعرف كيف اعمل في البيت وهو تارة يمسك يدي وتارة يُقبل يدي وتارة بطني .. بحجة الجنين الذي احمله .
- أوووووووو ... لا تكبري الموضوع هؤلاء كبار السن يتصرفون هكذا دائماً ... لا تحمليني ما لا طاقة لي على حمله ..!
سكنت نفس حليمة وعرفت أن سليم لا يملك نفسه حتى يرد على هواجسها المخيفة .. طال الأمر وكان والده يكرر العملية كل يوم .. حتى جاء اليوم الموعود ، تعالت صيحات سليم ووالده وتشاجر مع أخوته وقضي الأمر بطرد سليم وزوجته من المنزل ...
أستأجر سليم غرفة صغيرة فوق سطح احد المنازل وبسعر زهيد ، وكان يشعر بالذنب لأنه لم يفعلها طيلة حياته ولم يقف بوجه والده المتعنت يوماً ولم يتصور انه سيخرج من البيت وله زوجه حامل ...ودراجة قديمة ؟
أنجبت حليمة صبي صغير ..كان سليم مسروراً وهو يحمل ولده الاول رغم الشحوب الذي اعتلى وجهه .... كان يتمنى ان يكون قربه اخوته او والده .
- حليمة ...
- نعم سليم .
- ما رأيك أن ندعوا أخوتي ووالدي لوليمة بمناسبة المولود .
- لا بأس ، أنت تعرفني .. إنني لا احمل حقداً على أحد ومهما كان فهم اهلك ولا أمنعك .
أبتسم سليم لما سمعه من زوجته البارة .. وذهب مسرعاً لينفذ ما طلبه وبعد نزاع طويل وعتاب وسجال في الكلام .. اصطحب والده لمنزله الجديد الذي لم تطأه قدماه لسنوات .؟ كانت الوليمة طلقة الرحمة بالنسبة لحليمة . كان والده يتردد عليها في المطبخ ويمسك بيديها ويُقبلها ايضاً .
- عمي ، ماذا تريد .
- انتِ زوجة ابني ... ألا يحق لي أن اقبل ابنتي .
- نعم يا عمي ولكنني ..؟
كانت حليمة لا تخبر زوجها بكل ما يحصل لها طيلة اليوم واثناء غيابه وكان يستمع الى كل مفرداتها ويتمعن بأحاديثها إلا الحديث عن والده ، كان يقطع حديثها ويقوم من مكانه .
- كفاكِ حليمة .... هل تردين مني أن أغادر البلاد كلها بسبب هواجسك ؟
وفي صباح يوم ما .. خرج والد سليم الى منزل حليمة ..كان سليم في دائرة البريد ، أما الطفل فكان نائماً في مهده .
طرق الباب وفتحت سليمة .. تراجعت بخوف وقالت له
- تفضل عمي ... لكن سليم في العمل .
- دخل الوالد وفي جعبته لعبة خبيثة ، وجلس في وسط الغرفة الصغيرة المطلة على المطبخ الذي لا يفصله سوى بردة معلقة بالباب .
- سأحضر الشاي .
نظر الرجل المسن يميناً وشمالاً وهرول مسرعاً الى المطبخ خلف سليمة فمسك بها بقوة وأخذ يقبلها وينزع عنها ثيابها . كانت حليمة تصرخ
- عمي ... عمي ... استعيذك بالله .
هم الرجل المسن بالوصل الى مبتغاه وقد مزق ثياب حليمة واطرحها ارضاً وكانت سليمة تهم بالوصول الى زجاجة كبيرة تحت المطبخ . قبضت عليها بقوة ورفعتها للأعلى .. حتى استقرت وسط عينيه وسالت الدماء وسط المطبخ واعتلى صراخ الطفل الرضيع وسمع أهل البيت بصراخ حليمة وانين والده .
خرج ابا سليم مسرعاً ولكنه تفاجئ بوجود جمع غفير من الناس يتجمهرون حول المنزل .. وصاح بأعلى صوته .
- ألحقوا به ... لقد وجدت رجلاً مع زوجة ابني وكان ...؟؟؟ ياللعار عندما رأني ضربي برأسي ... أين سليم ليعرف مكانة وحقيقة زوجته الخائنة ؟
تجمع الناس حول باب غرفة حليمة وصعدت مسؤولة الدار ووجدتها ممزقة الثياب ودماء غزيرة منتشرة حولها .
قالت لها بأستحقار ..
- اخرجي ... لا تشرفنا هذه الجيرة .
أخرجت المرأة ثيابها وألقت بأوانيها في الشارع .. كان سليم قد حضر وسمع كل شيء بين الجموع ... حتى وصل الى حليمة .
لم يقل شيئاً ولم يستمع لها ... خلع حزامه واخذ يضربها بشدة ويهتف بين الناس ...
- سأقتل الخائنة ... الذنب ذنبي .. والدي اخبرني ولم أصدقه والآن عرفت لماذا يرفض زواجي منكِ يا حقيرة ... خا...ئن...ة .
تساقطت دموع حليمة الماً وحزناً وهي تنادي بين الجموع
- أنا بريئة ... والله العظيم بريئة .
مرت أسابيع على تلك الحادثة وفي يوم ما طرق الباب .. كان والد حليمة يطلب أهل سليم للقضاء والقسم على ما شهدوه في ذلك اليوم بالقرآن .
خرج سليم ووالده وبعض رجال المنطقة ومسؤولة البيت الى المحكمة وأقسم الجميع ومنهم والد سليم على ضرب المحصنة الشريفة حليمة وسبها علناً أمام المحكمة ..... بعدها ساعة الطلاق .
انفصل سليم عن حبيبته ... كان الشارع المؤدي الى بيتهم وعراً وقد اتخذ من غيره سبيلاً للوصول الى دائرته .. كانت أحزانه واضحة ودقات قلبه مع جرس دراجته البائسة .
وبعد سنوات كان والده طريح فراش الموت .. حينها طلب منه أن تبرأه حليمة من أعماله وشهادة زوره وبهتانه عليها ... ياللاسف :
- سليم ... أريد أن أرى حليمة وولدك .
- أبي لا تتكلم ... لقد طعنتني ... معقولة ، أنت ...لا اصدق كيف تسول لك نفسك المساس بشرف ولدك سليم ... لماذا في أي دين وشريعة حللت هذا ؟
تبادلا الدموع فيما بينهم ...وسليم المسكين لا يعرف أين ولده وبعد تلك الحادثة التي دعت لرحيل أهل حليمة من الحي
- سليم ... أريد حليمة ...
توفي والد سليم ... كان لا يعرف أن حليمة توفيت ايضاً ..؟ ولا يعرف ان أهلها قد فقدوا ولده ........والله اعلم .
أما حياة سليم الآن ..... رجل فقد عقله وهو يجوب أسواق المدينة ويضع على كتفيه إطارات دراجة هوائية ... ومزمار ... وهو يوزع رسائل بريدية فارغة ... ويصيح بين الناس
( ررررررن .. رررررن .....حليمة ) ؟!