تدخل الأهل بالشؤون الزوجية، هو السبب

أحمد محمود القاسم

قصة من واقع الحياة

الكاتب والباحث/ أحمد محمود القاسم

[email protected]

شاب في مقتبل العمر، يدعى (عايد)، فلسطيني الجنسية، كان يقيم في دولة الكويت الشقيقة، حاصل على شهادة بكالوريوس في علوم الكومبيوتر، من الجامعة الكويتية، ذو شخصية جذابة شكلا ومضمونا، على دماثة وخلق كبيرين، مظهره جذاب جدا، معظم من يشاهدنه من الفتيات، يتمنينه زوجا لهن، لشدة جاذبيته وجمال مظهره ودماثة أخلاقه، لديه ابنة خال تدعى (هيفاء) جميلة جدا أيضا، بكل ما في الكلمة من معاني الجمال والرقة، تنافسه في جماله وتتفوق عليه ايضا كونها انثى،  وهي حاصلة على شهادة الدراسة الثانوية العامة من دولة الكويت، كانت تدور الهمسات باستمرار بين اهلها واهله، حول امكانية زواجها من ابن عمتها (عايد)، وبأنها مخطوبة له، وسوف يتزوجا في الوقت المناسب، وذلك لقطع الطريق لأي محاولة لأحد الشباب، من قريب او بعيد، للتفكير بالزواج من هذه الشابة الجميلة، والتي يحسدها على جمالها الكثير من الشباب والشابات، جمالها يوصف بأنه شبيه، بجمال المغنية السورية المعروفة " ميادة الحناوي " عندما كانت في ريعان الشباب والتألق، تقدم الكثير من الشباب الكويتي لخطبتها من ذوي المال والجاه وغيرهم، لكن أفراد اسرتها كانوا يرفضون تزويجها لأي احد، سوى ابن عمتها، فقد رفضوا اهلها كافة عروض الزواج، التي عرضت عليهم، بكل ما فيها من الاغراءات المادية وغيرها، وبالاخير، سارع افراد اسرتها، لأسرة ابن عمتها يطلبون منهم التقدم لخطبتها، لانهاء الموضوع، بأقصى سرعة ممكنة، لأنهم ملوا كثرة من يطرق بابهم من الخطاب، وافق اهل الشاب (عايد) على طلبهم هذا بسرعة، وبدون ادنى شك من التردد، وفي اللحظة الذي حصل فيه ولدهم (عايد) على وظيفة مناسبة، باحدى وزارات الدولة الرسمية، حتى سارع اهله لتزويجه منها، واقاموا لهما حفلة زواج مهيبة و كبيرة، في أحد فنادق العاصمة الكويتية من درجة خمس نجوم، تحدث عنها الكثير ممن حضروا هذا الحفل المهيب من الناس، لجمال العروسين والحفلة، ولكثرة المشاركين والمدعوين بها.

العروس (هيفاء) هي الأنثى الوحيدة في أسرتها، حيث كان لديها عدد من الأخوة الذكور، لذلك، كانت عزيزة على أسرتها،  خاصة والديها ووالدتها بالذات، ولاقت الكثير من الدلال والعناية والحب والأهتمام منهما، وعلى ضوء ذلك، رغبت والدتها عند زواجها بتسكينها قريبة منها، حتى تساعدها اذا ما احتاجت لأي مساعدة، سواء في اعمالها المنزلية، أو حالات الحمل والولادة وخلافه المعروفة.

اما العريس (عايد) فهو الابن البكر لوالديه، وهو ولي العهد كما كان يقال عنه، وهو الذي يساعد والده في كافة الاعباء المنزلية، ويوفر للاسرة كافة احتياجاتها بكافة متطلباتها، ولهذا السبب، فان والده يود ان يكون سكنه قريبا منه، حتى يقوم على خدمته وخدمة الاسرة، كعادته قبل زواجه، تصارعت والدة العروس مع والد العريس، على موقع سكن العريسين، فكل منهما يريد ان يكون الأقرب لسكنهما " حيث والدة العريس مريضة " أيضا، بمرض نفسي، ولكن بالاخير، انحسم الصراع لصالح والد العريس، فسكن ولده قريبا منه.

لم يتهيأ الزوج لحياته الزوجية الجديدة، فمنذ اليوم الأول من زواجه، زار عائلته، ومارس دوره الذي كان يمارسه قبل زواجه، وكأنه لم يشعر بأنه قد انتقل من حياة اسرته الى حياة اسرته الخاصة، لاحظت حماته ذلك، فانتقدته على هذا الموقف، وطلبت منه ان ينكب باهتماماته على زوجته العروس (هيفاء) وينسى واجباته نحو اسرته، وطلبت منه ان يحل أحد اخوته مكانه في تقديم الخدمات لعائلته، ويتفرغ هو لعروسته واسرته، اصبح العريس منذ اول يوم من زواجه، بين نارين، نار حماته، ونار والده، بحيث اصبح غير قادر، ان يقول لأحدهما لا، او نعم، فاذا ما استجاب لأي طلب من حماته، تعرض الى تعنيف كبير من والده، لا يقدر على تحمله، واذا ما قبل طلبات والده، تعرض الى هجمة كلامية عنيفة من حماته، وبأنه يجب ان يكون له شخصية مستقلة عن أهله، ولا يخضع لتوجيهات والده، فهو الآن اصبح في الطريق لبناء اسرته، وعليه أن يفكر باحتياجات بيته، واسرته قبل كل شيء، وكان هذا الموقف يجعله عاجزا بالرد عليها، كونه لا يود اغضابها أو إغضاب زوجته.

باستقراره في بيت  قريبا من بيت والده، واستمراره بالقيام بدوره نحو اهله، المنوط القيام به قبل زواجه، جعله يميل في مواقفه دائما، مؤيدا لمواقف والده، ضد حماته في معظم الاحيان، هذا التأييد لوالده، خلق له مشاكل كثيرة مع زوجته، خاصة، وان حماته لم تترك أي وسيلة او فرصة، الا وتزور بها ابنتها او تتحدث معها عبر الهاتف لساعات طويلة، وتستمع منها لأدق تفاصيل حياتها اليومية وما يحدث معها ومع زوجها من الأمور، وتكثر من دعوتها لتناول طعام الغذاء هي وزوجها، حتى تنفرد بابنتها اولا وزوجها ثانيا، وتفرض عليه مواقفها التي تراها مناسبة.

كان كلما زاد تدخل الحماة في حياة ابنتها وزوجها، زاد رد الفعل لدى والد الزوج، الذي كان يتابع هو الاخر اخبار ولده باستمرار، وتدخلات حماته به، وبحياته الزوجية، طالبا منه عدم الاستجابة لطلبات حماته، ورفضه لها، وعدم السماح بان تتدخل بشؤونه الداخلية، لقد زاد الامر سوءا، عندما وضعت الزوجة اول مولود لها، فطلبت الحماة ان تكون ابنتها قريبة منها، كي تقوم على خدمتها، أو ان يسمح لها زوجها بأن تقيم زوجته مع والدتها، خاصة الأربعين يوما التي تكون فيه الزوجة بعد ولادتها في حالة اعادة بناء لجسمها حتى يعود لطبيعته، فرفض الزوج طلبها بناء على توجيهات والده، اصبحت حياة الزوج لا تخلوا يوميا من المشاكل، رغم تدخل الاهل والاقرباء، لأصلاح ما يمكن اصلاحه من الأمور بينهما قبل ان تتفاقم ويصعب حلها، فالاوضاع كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم، بحيث لم يعد يستطيع تهدئة الاوضاع أحد.

بعد مضي عدة سنوات على زواجهما، وبعد ان انجبت الزوجة عددا آخر من الابناء، حزم الزوج امره هذه المرة، واستجمع كافة قواه، وبتشجيع من بعض الاهل والاقارب، وبعد ان احتدمت المشاكل بينه وبين زوجته وحماته، وبينه وبين والده ايضا، وبين والده وحماته كذلك، اتخذ قرارا بالأبتعاد عن اهل زوجته واهله ايضا، بالهروب الى أي مكان،  وقرر أن  يترك عمله في الكويت، والهروب للعمل في العاصمة الاردنية-عمان، حيث وجد اقرباءه له عملا مناسبا، براتب متوسط، تبين له فيما بعد، انه يكاد يكفيه مصروفه الشهري، على الرغم من انه يملك شقة سكنية، اعطيت له من قبل والده.

كانت حياته قاسية وصعبة جدا، بعيدا عن كافة افراد اسرته، خاصة بعد ان اصبحت حماته تتردد كثيرا على عمان، لتتابع اخبار ابنتها عن قرب، او تتصل بها لساعات عبر الهاتف، بحيث كانت الحماة تسمع انين وشكوى ابنتها باستمرار، وتسافر بسرعة اليها، اذا ما تطلب الامر منها ذلك.

انهارت معنويات الزوج النفسية كثيرا، في اقامته في العاصمة الأردنية (عمان) بعيدا عن الأهل والأصدقاء، لازدياد مشاكله كثيرا عن ذي قبل، سواء داخل اسرته او خارجها، فلم يقدر على التصرف بحزم وموضوعية، لكثرة ما يتعرض له من ضغوط، سواء الضغوط المعيشية والأجتماعية، او انتقادات والده له، او الهجوم الشديد اللهجة من حماته، والتي كانت تسافر الى ابنتها، كلما شكت لها امرا ما، مهما كان تافها، الى ان اصيب الزوج بشبه انهيار عصبي ونفسي، كان يضطر معه احيانا الى ضرب زوجته ضربا مبرحا، كان يمكن ان يودي بحياتها، دون سبب يذكر

لاحظت الزوجة ان تصرفات زوجها نحوها لم تكن بالتصرفات التي اعتادت عليها، حتى في خضم المشاكل العنيفة التي  كانت تسودها العلاقات فيما بينهم، والغريب، ان الزوج، كانت تأتيه حالات من الهدوء النسبي، يأتي خلالها الى زوجته ويسترضيها ويستعطفها ويقدم اعتذارا شديدا لها، ويطلب منها ان تغفر له، وان تسامحه على فعلته، وعندما كانت تعاتبه لضربها الشديد لها، الذي كانت تتعرض اليه، من قبله، كان ينفي ضربه لها او تعنيفها بالمطلق، ويقسم اغلظ الايمان، انه لم يفعل هذا بها ابدا، وانها أي " زوجته " قد تكون تحلم، او تعرضت للوقوع على الارض، دون ان تدري، وألم بها وبجسدها هذه الخدوش او الجراح.

تكرر ضربه لها باستمرار، وعندما يعاود محاولة استرضائها مرة اخرى، تعاتبه زوجته، فينفي ذلك بعنف شديد، ويتهمها بالكذب والأفتراء عليه، الى ان حدث ذات مرة، وضربها بعنف شديد، وطردها من المنزل، حتى ان الجيران سمعوا بضربه لها، وشاهدوها بانفسهم وهو يطردها من المنزل الى الخارج، وهي في ملابس النوم، مما حداهم الى الاتصال بأهلها بالكويت، واخبروهم بما حدث، حيث حضر اهلها على عجل، ليروا ما الم بابنتهم، ومن خلال ما سمعوه من ابنتهم، ومناقشة الموضوع مع بعض الاقرباء والاهل، تبين لهم بأن زوج ابنتهم مريض نفسيا، ويجب عرضه على طبيب اخصائي بالامراض النفسية، واكتفوا باخذ ابنتهم لديهم، والتحفظ على زوجها، وتبليغ والده بالامر، حيث حضر الى عمان فورا، ليدرس الأمر ويعالجه بنفسه، وليرى بنفسه تصرفات ولده الغير طبيعية، من خلال ما سمعه من الاهل والجيران، فاضطر الى نقل ولده الى طبيب اختصاص، بالامراض النفسية، الذي حلل شخصيته من خلال ما عقده معه من عشرات الجلسات النفسية، وتمكن الطبيب على اثرها، من الاستنتاج، بان الزوج مصاب بمرض " الشيزوفرينيا "  او ما يعرف بانفصام الشخصية الشديد، نتيجة لما يتعرض له من ضغوط نفسية حادة،  وان هذا المرض، ليس بالامر السهل علاجه، ويحتاج الى وقت طويل جدا، حتى يبرأ منه، والى علاج مستمر ومتابعة متواصلة .

عمل اهل الزوجة على تطليق ابنتهم، من زوجها المريض بشتى الوسائل والسبل، بحكم من المحكمة الشرعية لا رجعة فيه، بعد ان تمكن والدها من الحصول على تقرير طبي من لجنة من الاطباء الاختصاصيين يؤكدوا فيه، ان هذه الحالة المرضية التي يعاني منها الزوج، لا يمكن علاجها بسهولة، وان ترك الزوج مع زوجته منفردا بها، قد يودي بحياتها، لذا فهم يوصوا بتطليقها من زوجها، طالما احتمال ان يؤدي مرضه الى قتل زوجته، ودون شعور بالمسؤولية من قبله .

بدأ الزوج المريض، يتعاطى الادوية الكثيرة المسكنة وغيرها، بناء على توصية الاطباء وتحت اشراف والده، طالب الطبيب المعالج، بان تكون زوجته الى جانبه، لأنها قد تساعده على نجاح العلاج، كان اهل الزوجه قد رفضوا توصية الطبيب هذه، حفاظا على ابنتهم، مما اضطر والد الزوج المريض (عايد)، بعد ان تسلم ورقة طلاق ابنه، تزويج ولده من شابة اخرى، فاتها قطار الزواج كثيرا، لأنها لم تكن جميلة، فكانت له مربية، اكثر منها زوجة، خاصة ان زوجته المطلقة، كانت قد تركت ابناءها  في حرم زوجها المريض، حسب طلب والده وحسب اجراءات الشرع المعهودة، بعد ان تنازلت الزوجة (هيفاء) عن كافة حقوقها، لتتمكن من الحصول على ورقة الطلاق .

ساءت حالة الزوج المريض (عايد) كثيرا، رغم ما يتعاطاه من العلاج، وحتى بعد زواجه الثاني ايضا، والذي كان الأعتقاد السائد به، أنه سيحسن من شفاء الزوج عايد، لكن هذا الزواج، لم يكن له اي تاثير، كما تبين من تطور حالته الصحية فيما بعد.   

تمكنت الزوجة المطلقة (هيفاء) ايضا من خلال اهلها، ان تتزوج من رجل متزوج، ولديه عدة اطفال، مقيم بالكويت، خاصة وانها في مقتبل العمر، وما زالت تفيض شبابا وأنوثة، ولا يجوز تركها واهمال حقها في الحياة والزواج مرة اخرى، خاصة، بعد ان علمت بأن زوجها ايضا (عايد)، الذي تطلقت منه، قد تزوج من أخرى.

اقامت (هيفاء) مع الزوج الجديد، وخلفت منه عدة اطفال خلال عدة سنين، وكانت سعيدة بحياتها الجديدة، رغم كون زواجها على درة كما يقولون، كانت خلال هذه السنين، تزور اولادها في عمان، كلما سنحت الفرصة لها بذلك، حسب اتفاق خطي وقع بين اهلها واهل زوجها، كتبه محامون اخصائيين في هذا المجال.

اما الزوج المريض (عايد)، فقد زادت مشاكله مع الزوجة الثانية بزيادة مرضه، ولسوء تصرفاته، ولعدم قدرته على الانجاب منها، حتى وفعل اي شيء معها، وفي منتصف ليلة من ليالي عمان الحالمة والهادئة، تعرض الزوج (عايد) لجلطة في الدماغ، لزيادة تعاطيه للادوية، اودت بحياته والى الابد، على ضوء ذلك، عادت زوجته الثانية الى اهلها، كما خرجت منه، اما زوجته المطلقة (هيفاء)، فقد حرصت على زيارة اولادها بين الفينة والأخرى، كلما سنحت لها الفرصة ذلك للاطمئنان عليهم، بعد ان كبروا، وتحضر معها لهم الهدايا وكافة احتياجاتهم، حيث وضعوا الأبناء في حضانة جدهم ورعايته من كافة النواحي، وحقيقة، نجح الجد كثيرا برعايتهم والصرف عليهم وخدمتهم بأحسن الخدمات، الى أن بلغوا سن الرشد، وانهوا دراستهم الثانوية العامة، واجتازوا امتحانات التوجيهية العامة، ودخلوا الجامعات، وانهوا دراستهم بنجاح، وصاروا يتواصلوا مع والدتهم عبر الهاتف بشكل مستمر، ويخبروها بنجاحاتهم وآمالهم واحلامهم.