بابيلون ح7

حيدر الحدراوي

[email protected]

كالنمل هبّ الثوار زاحفين الى ارض المعركة , لقد تبرعوا بكل ما لديهم من خيول لفرقة الانقاذ , كي تصل بسرعة لأداء المهمة المنوطة بها , بينما هم اختاروا لأنفسهم الزحف على الاقدام  , على ارض طينية , غير ثابتة , تنزلق اقدامهم عليها , الا ان قلوبهم كالصخر , لا تؤثر فيه عظائم الامور وصعاب الشدائد .

التقوا بجيش الوحوش من الوسط , شطروه الى نصفين , النصف الاول حشروه بين الثوار الغرقى وبين خمسة الاف مقاتل من جيش ينامي الحكيم , والنصف الثاني بين مدينة حلداد وخمسة الاف مقاتل ممن تبقى من جيش الثوار , كل خمسة الاف يتكؤون على اظهر اخوتهم الثوار , ليشتبكوا في معركة دامية , لا تقل ضراوة عن سابقاتها , وربما اشد .

حالما سمع حالصبيعش ومن معه من الثوار بوصول جيش الثوار واشتباكهم مع الوحوش , دبت فيهم العزيمة , شحذت هممهم , فهبّوا الى القتال , ارتبك الوحوش في الوسط , صاروا بين فكي كماشة , ينامي الحكيم من جهة , والثوار الغرقى الذين كروا عليهم من جهة اخرى , وكان القائد خنشل في وسطهم , على ظهر وحش كبير , لاحظ حالصبيعش تجمعهم حول احد الحيوانات الضخمة , كأنهم قد صنعوا درعا , فأدرك ان في الامر سر , لعل قائدهم هناك , امر احد رفاقه ان يجلب النار , لم يك صعبا الحصول عليه , فقد كانت الوحوش الطيارة ترميها نحوهم , اشعلوا النبال وما لديهم من العصي والرماح , اطلقوه نحو حيوانات الدرع , التي فزعت من النار , بعضها اصيبت , والبعض الاخر سقطت بالقرب منها , فزعت واضطربت , هوى الى الارض ركابها , جرحى لا يقوون على النهوض , سلبهم الثوار اسلحتهم , واستمروا بمهاجمة الدرع , الذي سرعان ما اخذ يتفكك بسبب الحيوانات الهائجة , لم يبق سوى حيوانا واحدا , يقف عليه خنشل وبعض ضباطه , حاول الهروب , لكن نبال الثوار من جهة ينامي الحكيم اردته قتيلا .   

اضطرب جيش الوحوش لمقتل قائده خنشل , هاج وماج , بينما ازداد الثوار عزيمة , فاندفعوا بقوة , انضم اليهم ثوار مدينة حلداد بما تيسر من السلاح , بعد ان شاهدوا هزيمة هذا الجيش الجرار , جاءت الاوامر من خنياس بسحب جيشه , اقترح عليه بعض ضباطه ان يفتحوا السدود , لكنه رفض , لا يمكنه ان يأمر  بفتحها وجيشه لا يزال على الارض , هذا من جهة , ومن جهة اخرى , ان وصول الماء سيستغرق يومين للوصول الى مدينة حلداد .

دخل الثوار مدينة حلداد , حال دخولهم امر ينامي الحكيم الجميع بالعمل على بناء سدود تحصن المدينة من فيضان محتمل , وامر ثواره بإعادة تنظيم انفسهم  , اثناء ذلك , وصلت فريق الانقاذ الذي ارسل لإنقاذ الثوار الغرقى , ومعهم الكثير ممن تم انقاذهم , يحملون معهم اخبارا غير سارة عن وردنياس وجماعته :

-  سيدي ينامي الحكيم ... لقد قضى وردنياس غرقا ! .

-  انا لله وانا اليه راجعون ! .

-  لم نستطع انقاذ الا القليل القليل من الثوار معه ... اغلبهم قد لقوا حتفهم غرقا معه ! .

-  انا لله وانا اليه راجعون ! .   

حزن كثيرا لهذا الخبر , لكنه تمالك نفسه , وامر بإعادة تشكيل المحاور الثلاثة , على ان يكون سودرف على المحور الثالث .

بعد ان ذاع خبر انتصار الثوار في مدينة حلداد , هرع الكثير من الناس للالتحاق بالثوار , من جميع المدن التي وقعت بأيديهم , وبعضهم ثاروا على جيوش الوحوش التي لا تزال فيها , بينما هرب اخرون من المدن التي لا يزال يسيطر عليها الوحوش , تجمعوا من كل حدب وصوب .

                            ************************

خنياس وضباطه كانوا يراقبون من على الشاشات الكبيرة , حيث تصور لهم الوحوش الطيارة ما يجري حول مدينة حلداد , فأمر بفتح السدود كي يغرق المنطقة , ويمنع التحاق المزيد من الثوار بالمدينة .

                         ************************

ظهرت اول بوادر الفيضان حول المدينة , هبّ الاطفال والشيوخ والنساء الى سطوح البنايات ,  بينما اليافعين استعدوا لأي طارئ , ارتطم الماء بالسد الترابي حول المدينة , وبدأ يتسلق , رويدا رويدا , اثناء ذلك , شنت الوحوش الطيارة هجوما بالقذائف النارية واللهب , فتصدى لها الثوار بقاذفات اللهب , لاحظ ينامي الحكيم ان منسوب المياه بدأ يرتفع اكثر واكثر, ربما سيعبر او ينهار السد , ثم انه لاحظ اجساما غريبة تغوص في المياه , فأمر الثوار بتسلق الاشجار والبنايات والجدران , والاستعداد لخوض الحرب هذه المرة , مع وحوش غواصة , هب الثوار لتسلق ما يمكنهم تسلقه , ولاحظوا ان وحوشا تضرب السد بثقل اجسامها , سوف لن يصمد طويلا , امر ينامي الحكيم بعض الثوار ان يستعدوا لسكب كميات كبيرة من الزيت , لتطفو على سطح الماء , وامر ثوارا اخرين ان يضرموا النار فيها بمجرد ان تدخل تلك الوحوش المدينة .

حدثت عدة خروقات في السد , بدأ الماء يتدفق من خلالها , اكثر واكثر , ازدادت تدفقا , حتى انهارت بعض جوانب السد , وبدأ بالانهيار اكثر واكثر , لم يك ليصمد طويلا امام ضغط الماء وضربات الوحوش الغواصة , التي شرعت بالدخول واحدا تلو الاخر , فسكب الزيت , واشعلت فيه النيران , تراجعت الوحوش قليلا , الا ان ذلك لم يثنها عن الدخول من فتحات اخرى في السد , لكن الثوار كانوا مستعدين هذه المرة , شرعوا بطعنها بالرماح , وضربها بما تيسر من عصي او حجارة .

استمرت المعركة حتى الصباح , حين انحسر الماء , بعض الوحوش استطاعت الانسحاب والهرب , وبعضها حوصر في شوارع المدينة , عاجزا لا يقوى على الحركة , حتى ماتت اختناقا .

فرح الثوار بهذا النصر الجديد , الذي سرعان ما انتشر خبره بين المدن الثائرة والمدن التي لا تزال تنتظر اللحظة المناسبة لتثور .

                        *************************

انزعج خنياس كثيرا ليصرخ بضباط جيشه :

-  الويل لك يا ينامي ! .    

حاول الضباط تهدئته :

-  سنقضي عليهم جميعا في المرة القادمة ! .

-  لم اتوقع ان يكون ينامي بهذه الدرجة من الحذر والذكاء ! .

اثناء ذلك ظهرت صورة الامبراطور على الشاشة الكبيرة قائلا :

-  خنياس ... اذا كان ينامي يفعل بك ما فعل ... فكيف بك اذا تولى هو قيادة المتمردين ؟ ! .

نهض خنياس من مكانه , منحنيا قبالة صورة الامبراطور :

-  سيدي ... الامبراطور المعظم ! .

-  اخبرني ... عن حجم الاراضي التي وقعت بأيدي المتمردين .

-  امركم ... سيدي ! .

تناول خارطة للكرة الارضية , احاط المساحة التي يحكمها الثوار بقلم احمر , مشيرا بها نحو الامبراطور , قائلا :

-  حوالي 500 كم ! .

امتعض الامبراطور وقال :

-  كانت البداية من قرية صغيرة ...

-  نعم ... سيدي ! .

-  انها التي كنت اخشاها ... سوف تستمر بالانتشار ان لم نضع حدا لها ! .

-  سأبذل قصارى جهودي ! .

-  سوف ارسل لكم قوة كبيرة من الحرس الامبراطوري ! .

-  لا داعي لذلك سيدي ... لا يزال لدينا الكثير من الجيش ... كما وان قوات النخبة لم تشترك بالقتال بعد .

-  كلا ... سنرسل الحرس الامبراطوري لمزيد من الحذر ... تحسبا لأسوء الاحتمالات .    

لم يك ليرفض امر الامبراطور , استاء خنياس كثيرا لذلك , لأن الحرس الامبراطوري سوف لن يكون بقيادته , بل بقيادة قائد غيره , سيشاركه في كل شيء , كما وانه سيكون اعلى مقاما منه , وارفع منزلة . 

-  امركم سيدي ... سوف نهيأ لهم المكان المناسب .

-  اعملوا معا ... للقضاء على جميع هؤلاء المتمردين ! .

-  حسنا ... سيدي ! .  

اختفت صورة الامبراطور من الشاشة , ابدى خنياس غضبه لذلك , بينما ابدى الضباط انزعاجهم , لما عرفوه من غطرسة ضباط الحرس الامبراطوري وتجبرهم .

يتبع