سعيد في انتخابات لبنان السعيدة

د. محسن الصفار

[email protected]

سعيد مواطن لبناني  ليس كباقي مواطنيه، فهو لا يحب السياسة ولا يؤمن بالطائفية وخصوصاً الطائفية السياسية التي يعتبرها هي رأس البلاء في بلده والسبب الأصلي لوقوف عجلة التنمية وضياع فرص التقدم وهجرة الشباب إلى مختلف دول العالم، ولأن في لبنان كل من لا يتحدث بالسياسة لا يُعتبر إنساناً محبوباً، فلم يكن جيرانه يُقيمون جسور المودة معه كثيراً حتى اقتربت الانتخابات فإذا به فجأة يُصبح محبوباً وشعبياً لأن صوته هو من الأصوات الحائرة والتي يُحاول كلا الفريقين إصطيادها. لم يُعر سعيد الموضوع أهمية في باديء الأمر ولكن في إحدى الليالي رنّ جرس الباب فإذا بجاره الذي ينتمي إلى تيار الموالاة يقف على العتبة وبيده صينية لحم بعجينة وعلى فمه إبتسامة عريضة، وما إن رأى سعيد حتى قال:

ـ ولو مساء الخير يا جار كيفك؟ وينك؟ بشرفي عملت صينية لحمة بعجينة وقلت لحالي يا صبي ما في حدا بهالجيرة أحسن من حبيب قلبي سعيد أكلهن معه مع كاسة شاي شو قلت؟

ـ أهلاً وسهلاً يا جار، ولو بلا صينية لحمة بعجينة أنت على العين والراس، شرف خيّي فوت على جوّه.

ما إن جلسا حتى رنّ جرس الباب مرة ثانية، نهض سعيد وفتحه فإذا بجاره الآخر الذي ينتمي إلى تيار المعارضة على الباب وبيده صحن من الحلويات.

ـ مرحباً سعيد، هاي وينك يا عمي ما حدا بيشوفك؟

ـ والله مشاغل.

ـ أنا جبت هالحلويات وقلت لازم أكلهن مع حبيبي سعيد على فنجان قهوة شو قلت؟

ـ خيّي هلا فيك ناكلهم مع مناقيش جارنا الثاني.

ما إن رأى الجاريين أحدهما الآخر حتى علت وجوههم نظرة تدل على الامتعاض ولكنهما سلّما على بعضهما على مضض كما يفعل زعمائهم في جلسات الحوار الوطني؛ يُسلّمون ويبتسمون ثم ما أن يخرجون حتى يُشبعون بعضهم شتماً وتخويناً. وبعد أكل اللحمة بعجينة والحلويات وشرب الشاي والقهوة بدأ الجار الموالي الحديث وقال:

ـ إيه جار نحنا متأكدين أنه شخص وطني ومخلص ولبناني صرف مثلك راح يصوت لجماعة 14 آذار في الانتخابات.

وهنا قفز الجار الآخر المعارض قائلاً:

ـ ولو يا أخ سعيد أنت طول عمرك بتحب المقاومة وأكيد ما راح تبخل عليها بصوتك، ونحنا متأكدين أنك راح تصوت لجماعة 8 اذار.

ردّ سعيد بهدوء:

ـ والله أنا يهمني أعرف نتيجة فوز كل فريق شو راح تكون للبلد لله بعدين أقرر، أما شهر آذار كله من أوله لآخره ما بيعنيلي شي!

ردّ الموالي بالقول:

ـ أحنا إذا فزنا راح نحرر لبنان من النفوذ السوري والإيراني!!

أعقبه المعارض:

ـ أحنا إذا فزنا راح نحرر لبنان من السيطرة الأمريكية!!

ردّ عليه سعيد:

ـ حلو، بس ما يهمني تحرير لبنان من نفوذ وإخضاعه لنفوذ ثاني؛ أنا بدّي حكومة مستقلة تماماً لا تخضع لنفوذ أي بلد أجنبي أياً كان وتقيم علاقات منطقية وتعاون مع كل الدول على أساس مصلحة لبنان مش مصالح هديك البلدان! بالعربي ما بدنا حكومة تأخذ أوامراها لا من سفارات ولا من وزارات خارجية ولا من مرجعيات دينية في دول ثانية مين فيكم يضمن هالشي؟

سكت كلا الجاران ولم ينطقا بشيء وهنا أكمل سعيد:

ـ طيب والاقتصاد شو ناويين تعملوا فيه؟

ردّ الجار الموالي:

ـ إذا فزنا فسنجلب إستثمارات غربية وعربية وسيأتي السواح وتزدهر الفنادق والمطاعم والبلاجات والمصايف.

قاطعه الجار المعارض:

ـ إي بلا فنادق بلا مسخرة! نحنا إذا فزنا راح نجيب استثمارات إيرانية بالمليارات.

سأله سعيد:

ـ وفي أي قطاعات راح تُستثمر هالأموال؟ وشو بدكن تعملوا بدين الأربعين مليار ياللي تشاركت كل أطياف لبنان السياسية على تحميله للشعب؟ لك معقولة كل طفل بيخلق في لبنان عليه دين 10 آلاف دولار!!؟؟ لبنان بلد سياحي صحيح بس السياحة مش كل شي البلد بحاجة إلى صناعة وزراعة هاي كلها تدهورت بسبب نقار السياسيين السخيف مثل الديوكة، والزراعة الوحيدة ياللي بتربح هي حشيشة الكيف والباقي كله خسارة، معقولة؟

سكت الجاران مرة أخرى وهنا أكمل سعيد:

ـ شوفو يا جيران ما بدي أطوّل عليكن، أنا راح أعطي صوتي للفريق اللي يحارب الطائفية ويسعى لإلغائها ويحارب الفساد والنفوذ غير المشروع لبعض الشخصيات، ويحارب المحسوبية ويتعهد بأن لبنان تكون كلمته بأيدي أهله بس، ويكون زعمائه معهم الجنسية اللبنانية وبس؛ مش كل واحد شايل 4 جنسيات في جيبته!!! ويتعهد بملاحقة اللي سرقوا البلد عبر النفوذ وصاروا من أصحاب المليارات ويسترد كل ليرة منهم ويحطها في خزينة الدولة ويتعهد بأن الدولة تكون هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في الاقتصاد والدفاع والسياسة، ويكون السلاح فقط بأيدي الدولة ياللي ما بتردد عن الدفاع عن حدود بلدها، وأبناء البلد مش يستقبلو (الإسرائيلي) بكاسات الشاي!!! ومحاكمة أي جهة تُقيم علاقات مع أي بلد أجنبي وتستلم أموال أو مساعدات أي كان نوعها، وتبطل المناصب تتوزع على فلان وعلاّن لأنه "شيخ" أو "بيك" أو صاحب مليارات، ويتعهد بتقوية الاقتصاد كله، مش بس البارات والمراقص، وتوزع الكهرباء بالتساوي على كل لبنان مش منطقة 24  ومنطقة 3 ساعات باليوم.

وآخر شي يتعهد بأن سفراء كل الدول يكونوا مراسلين لبلدانهم مع الحكومة وبس، والسفير اللي يصرح بأي شي اله علاقة بالشأن الداخلي اللبناني ينطرد ثاني يوم، ويكون ولاء المواطن اللبناني للوطن وليس للطائفة. يالله قولوا من فيكن راح يعمل هالشي منشان بكره باروح أصوت لصالحه في الانتخابات؟

نظر الجاران إلى سعيد وحملا صحونهما الفارغة وخرجا وقال سعيد:

ـ لوين؟ ما جاوبتوني جيران!

ردّ عليه أحد الجيران:

ـ إيه روح تضرب أنت وصوتك، ياللي قلته فيلم خيالي مش برنامج إنتخابي! قال لبنان بدون طائفية كيف هالحكي؟ شو أنت أجدب!؟

وأكمل الآخر:

ـ إن شاء الله بنرجعلك على إنتخابات سنة 2100 يمكن هالشي يصير!! ويكمن على الأرجح ما يصير، خاطرك جار!

 وكل إنتخابات في لبنان وأنتم بخير!!

 * هذه القصة خيالية ولا وجود لأحداثها أو شخصياتها على أرض الواقع في لبنان!!!