حتى ترفع رأسك
حتى ترفع رأسك
إلهـام محمد صبري
كل الاحتمالات وردت على ذهنها يوم تقدم ذلك الشاب لخطبتها...ودرست الظروف التي أحاطت بها وقتذاك،وسجلت كعادتها حسنات الموقف وسيئاته قبل اتخاذ أي قرار .. ثم أعلنت موافقتها ، فشروطها الأساسية متوفرة .. جامعي ومتدين ..
ولكن الذي لم تحسب حسابه ولم يخطر لها على بال ما يحدث الآن وهي تقف أمام موظف الجوازات في زيارتها لإحدى الدول العربية..
خواطر وذكريات مرت أمام عينيها تتصارع وتضطرب مع اضطراب نفَسِها..
سافرت معه بعد سنتين من الزواج للعمل في إحدى الدول العربية ، ثم سافرا إلى دولة عربية أخرى، وثالثة .. فلم يعد بالإمكان العودة إلى البلد الأصلي لأسباب أمنية تتعلق بزوجها .. لكم شعرت بعدم استقراره النفسي وهو يتمنى بين الحين والآخر أن ينال جنسية بلد من البلدان الأخرى ...أوربية .. أمريكية .. أو حتى إفريقية ... لا فرق .. المهم أن تكون جنسية غير الجنسية العربية .. وكانت تشعر بالضيق: فما بالنا؟ نحن سعداء وبإمكاننا السفر كل صيف من بلد أجنبي إلى آخر دون مضايقة أو إزعاج.. وهذا ما كانا يفعلانه.
وأيقظها من استرسال خواطرها صوت الموظف :
- من أين صدر هذا الجواز ؟!
- من بلدي ..
- لكن ليس عليه ختم بلدك !
- صحيح .. هناك من يخرجه لنا ويرسله عن طريق البريد ، فأنا لا أزور بلدي .
غاب موظف الجوازات دقائق ثم عاد وأشار إليها : اتبعيني.. ودخل غرفة أنيقة فيها مكتب بيضاوي يجلس وراءه رجل يحاول أن يكون مهما ! وإلى جانبه رجل من بلاد أخرى لا يتكلم إلاّ لغته الإنجليزية .
- أنت إرهابية
- لم تقول هذا ؟! هل تراني أحمل سلاحاً ؟!
- اسمك وسنك وبلدك..
- مكتوب أمامك في الجواز .
- تأدبي !!
نظر الأجنبي إليها بحدّة ، وسألها بلغته:
- ماذا ستفعلين في هذه البلد ؟
- زيارة أحد الأقرباء .
- ولكنك لم تأت من بلدك !
- أنا لا أزور بلدي .
قال الموظف العربي :
- أين زوجك ؟
- في البلد الذي أتيت منه .
- تتطفلون على كل البلاد العربية !.
- أليس العرب إخوة ؟
قال الأجنبي :
- العرب ؟!! ومن يهتم بهم ؟ .
قالت للعربي :
- أتسمع ما يقول ؟! أترضى هذه الإهانة ؟ !
- لا تتفاصحي .. ماذا لو منعتك من الدخول ؟ فأنت غير مأمونة الجانب..
- عملت في بلدكم أكثر من عشرين سنة ، أدرس في أرقى مدارسكم ، ولم يحدث أن ارتكبت حتى مخالفة سير بسيطة .
- ولكنك خرجت منها .
- وها أنا أعود لزيارتها . فكل بلد علابي بلدي .
- أنت تحلمين ..
وسكتت.. لقد كان زوجي على حق في بحثه عن أية جنسية غير الجنسية العربية ، ثم قالت :
- ألست عربياً ؟ فأين الأخُوّةُ ؟
دهشت وهي تسمعه يقول :
- بلى ، أنا عربي .. ويا للأسف ..
صرّت أسنانها كي لا تخرج من فمها كلمة تودي بها أمام هذا المتعجرف ، وسيده القابع بجواره . ثم قالت متظاهرة بعدم فهمها :
- صدقت ، ما كان لي أن أذكر العروبة ، فالإسلام دعانا إلى ترك العصبية ، وجعلنا أعزة به ، نرفع رؤوسنا عالية أينما كنا .
قال باستهزاء :
- ترفعين رأسك !!...
وأدركت ما يرمي إليه
{ حتى ترفع رأسك يجب أن لا تكون عربيا يتجول في بلاد عربية }
ولملمت أشياءها لتعود إلى غرفة انتظار المغادرين ..