حقيبة نسائية

محمد حسن العمري

[email protected]

كاتب أردني مقيم بصنعاء

(1)

في ذاتِ اللحظةِ التي لامست رجلُ ( يارا ) اليمنى  رصيفَ الشارع ، ورجلُها الاخرى لم تزل في ارض سيارة الاجرة ، كان  يوسفُ قد خطف الحقيبةَ ورمى بها بقوة اوصلتها الى رامي  ، الذي كان ينتظر على الرصيف المقابل ، سقطت الحقيبة على الارض ، ابتلت بفعل الامطار التي تساقطت طوال الليل ، التقطها رامي وكالبرق توارى بين ازقة جبل الحسين ، فيما فرّ يوسف الى شارع اخرَ ، نزل سائق سيارة الاجرة يتلفت يمينا وشمالا ، لا يدري من السارق ، من خطف الشنطة او الذي فرّ بها متواريا..

(2)

اصبع احمر الشفاه (روج ) ، ذهبَ نصفه على شفتي يارا ، زجاجة عطر حجم صغير جدا تبدو فارغة لكن غطاء البخاخ ، يسفر عن بقية منها ، علّاقة مفاتيح بها ثلاثة مفاتيح خزائن صغيرة ، كريم لوشن ماركة سويسرية ، مشط شعر احمر ، مرآة وجه صغيرة مهشمة بالكامل ، ربما بفعل رمي الشنطة بين دفتي الشارع  ، عملة معدنية لا تتجاوز اذا جمعت الدينارين ، قصاصة جريدة فيها اعلان عن مصنّع لبناني لمستحضر عشبي فعال لازالة السواد تحت العينين ، ورقة نقد سعودية فئة خمسة ريالات تبدو قديمة جدا ومتآكلة ، وصفة دواء طبية حديثة ، و مجموعة ابر خياطة على شكل حزمة مع خيوط بكافة الالوان كتلك التي توضع في جوارير الفنادق ...

وضع يوسف العملة المعدنية في جيب معطفه الطويل ، و جمع بقية الموجودات ورمى بها في اقصى عزم وصلت اليه ، وقال : -

سوق الحرامية لا ترتاده النساء..!

    وفتش في جيب الشنطة الخارجي ، كانت ثمة اوراق اخرى مرتبة على نحو لائق...

(3)

الورقة الاولى : حبيبي احمد ..يا ريت تقبل استقالتي ..ما بقدر اتحمل اكثر..يارا

التاريخ : فبراير.

الورقة الثانية : احمد ارجوك اقبل استقالتي بدون اسباب..يارا

التاريخ : مارس.

الورقة الثالثة : السيد احمد ..ارجو قبول استقالتي مع الشكر..يارا

التاريخ : ابريل.

الورقة الرابعة...

الورقة الخامسة..

الورقة العاشرة : حضرة المدير العام السيد احمد جميل ،، لاسباب شخصية ارجو قبول استقالتي من بداية العام الجديد..يارا ابراهيم..

التاريخ : ديسمبر..

***

(4)

في صبيحة اليوم التالي حيث سرقت الحقيبة ، كان ثمة اعلان بمكافئة مائة دينار  لمن يعثر على الشنطة مع التفاصيل ، يوسف يهمس بأذن رامي :-

 هذا فخ ، ماذا تعني هذه الاوراق المهزلة حتى تدفع بها مائة دينار !

  في الاسبوع التالي كان ثمة اعلان بمكافئة مائتي دينار ، وصلت بعد خمسة اسابيع الى خمسمائة دينار ،  رامي الذي لم يكن قبل حادثة خطف الحقيبة نشالا بالمطلق  ، قال : لا بد ان هذه الاوراق تعني الكثير لصاحبة الحقيبة ، قيمة لا نقدرها نحن النشالون، غامرَ رامي بسمعته وانتظر على قارعة الرصيف صبيحة يومٍ ، وما  ان نزلت يارا من سيارة الاجرة حتى رمى بالحقيبة بين يديها ولاذ بالفرار..

(5)

كانت يارا جذلى سابقت قدميها وهي تمسك بالحقيبة ، وتهرول على الدرج تتفحصها من كل مكان فيها ،  الى ان وصلت مكتبها ، لحسن الحظ ان احمدَ  لم يكن قد وصل بعد ، ولحسن الحظ كذلك لم يصادفها احدٌ على الدرج ، كانت تضحك لوحدها كمهوسة ، بدأت تفتح حقيبتها العائدة بفرح ، اول ما خالطت عيناها الاوراق في الجيبة الخارجية ، لم تكترث بها جمعتها ككومة ودعكتها بيديها والقت بها في سلة المهملات ، دون ان تفتحها ، وبدأت تتفقد بقية الحقيبة  ، تخيلت انها فتشتها بدقائق الف مرة..الحقيبة فارغة الا من هذه الاوراق ، ، قلبت يار الحقيبة وهزتها ، هي بالفعل فارغة الا من هذه الاوراق..

الحقت الحقيبة بالارواق الى سلة المهملات..

ارتمت يارا كجثة على كرسيها ، واجهشت بالبكاء,,,!