الخيبة ليست مباغِتة

د. محمد جمال طحّان

الخيبة ليست مباغِتة

د. محمد جمال طحّان

لست أدري السبب الذي يجعلنا نحدّق في المرآة ولا نرى مايراه الآخرون فينا ؟

ربما أيقظ تلك الفكرة في رأسي ذلك الشاب الذي فضّلني على نفسه في اجتياز الطريق قائلاً : تفضل ( عمّو ) …

حفرت الكلمة أذنيَّ بلطفها : عمّو … وقفت أمام أوّل واجهة بللورية صادفتني وحدّقت: فعلاً أنا لم أنتبه إلى مافعلته السنون بي.. ودائماً ( أرى ماأريد ) غير منتبه إلى أهمية أن أعي ما أرى.

إنها خيبة طازجة تمترست في ذهني فصرت أهجس بها،حتّى بدت مساحة الغشاوة التي نتمتّع بها ونحن نرى الآخرين من خلالنا ،غير قادرين على رؤيتهم بما هم عليه فعلاً.

مديري كان وما يزال - دائماً - سيّء الإدارة، لأنه لست أنا .

والمسؤول عن الصفحة الثقافية في صحيفة (غواتيمالا) جاهل، لأنه لاينشر جميع مقالاتي التي أرشّها في وجهه كالأرز في الصين.

ورئيس جمعية ( الحداثة ) تغلّب على ترشيحي بالتزوير والدسّ والرشوة، على الرغم من أنني أولى بإدارتها، لأنني أبرع منه في حساب التوازنات … لكنه - هو الذي لعب على الحبلين وفاز ( ! ).

باختصار، إنه الزمن الرديء، هو الذي يجعل الناشرين يتهافتون على من يسمّي نفسه باحثاً، وهو مجرّد مؤلِّف يولّف بين أفكار ليست من بنات أفكاره.

إنه الزمن الرديء الذي يجعل الناشرين يزورّون عني رغم أنني كاتب مبدع ..

أدبج جميع مقالاتي من بنات أفكاري… وأكتب القصص البارعة حتى من دون أن تكون عندي شهادات… ماالذي تعطيه الشهادة للمرء سوى رخصة للقيام بمهنة ما … بل إن أكثر الشهادات حصّلها أصحابها بالغش والدجل … بل إن معظمها مزوّر …

إنني … إنني … صحيح أنني أولّف التلفاز على قناة جاري لألتقط القنوات البذيئة، ولكنني - في الواقع - أدرس ظاهرة الإعلام المعادي الذي يحاول أن يفسد أخلاقنا …

صحيح أنني لاأشتري أي سلعة للبيت، ولكن ابن سينا قال مرّة : " لو أنني كُلّفت بشراء بصلة لما أنتجت حرفاً " وهكذا شأن المبدعين دائماً …

وصحيح أيضاً أنني أعمل يوماً وأتخلّف شهرين .. وأتنقّل من عمل إلى عمل ولا يعجبني شيء… وهذا من حقّي لقد خُلقت للإدارة والأمر والنهي… لالكي يتحكّم بي شاب صغير لمجرد أنه يحمل شهادات … ولكن - كما قلت - آه من الزمن الرديء.

وزوجتي الجاهلة تلحّ عليّ كي ألتزم صنعة أطعم منها العيال، وأفي من خلالها ديوني… ولكنها - كما قلت - جاهلة ..

غداً عندما أفوز بجائزة نوبل ستعرف قدري … وسيعرف كلّ من عاملوني بجفاء ماالذي يحرزه صطوف .

وعندما أمر بقربهم سيشيرون إليّ بالبنان: هاهو صطوف شيخ الشباب.. قال.. وفعل.

من قال : إنني صرت أخرّف من طول البطالة وكثرة التعجرف ؟!!

أنتم - أيضاً - جهلة - يامن تزدرون بي .. كل شيء مبرمج ومحسوب حسابه … إنه شوط طويل قطعته كي أصل إلى المرتبة الأولى في الخيبة …