تلك أمم قد خلت

جهان محمود المشعان

جهان محمود المشعان*

يسيران معاً في دروب الحياة ، يتخذ أحدهم من الآخر عكازاً يهش به غدر الأيام . وكأنما كان حبلاً سرياً يصل ما بينهما ، و في غدوهما و رواحهما أصبحا معلماً من معالم المدينة العتيقة ، يدور بينهما همس لا ينقطع ... يخفت الصوت و يعلو السعال  ... و يلعنان هذا الزمن الرديء  .

أما زمانهما وما أدراك ما زمانهما ...؟

الأول كان وزيراً في حكومة انقلابية لم تصمد طويلاً ... و الآخر كان معارضاً بارزاً لتلك الحكومة ،  و حتى يصل الأول إلى القمة قدم رأس صديقه عربون وفاء لأسياده ، وقدم الأخر عشر سنوات من عمره ثمناً لولاء الأول .

وعندما قضى الله أمراً كان مفعولا ، تجرع الأول الكأس المرة التي سبق أن شربها الأخر حتى الثمالة

تقابلا بعد طول  غياب ، الأول كان متردداً خجلاً ، و الآخر كان مرحباً مستبشراً ، فتح له بيته و مكتبه ومد له يده ، كانت اليد الوحيدة التي امتدت لتصافح الأول الذي أفتقد بشدة الأيدي التي كانت تمتد إليه هاتفةً أو طالبةً أو داعيةً ...

الأول يحاول جاهداً أن يكفر عن ذنبه

  و الأخر يؤمن بأن الزمن يشفي الجروح العميقة ، و إن حكمة ما . كانت  وراء ما حدث ......

الأول يدرك أن ما فعله غير قابل للنسيان ، و الأخر يدرك أن ثمة جرائم تسقط بالتقادم ....

و عزو  (الذي يحار الوصف بــه أهو مجنون العقلاء أم عاقل المجانيين ... ؟) يقسم بأن لا الوزير كان وزيراً .... و لا المعارض كان معارضاً ... و أن ثمة تواطؤاً قديماً كان بينهما

و عزو يردد كلما رآهما معاً :

ـ ((إن عفافنا عهر وتقوانا قذارة 

وأقول : إن نضالنا كذب وأن لا فرق ما بين السياسة والدعارة ))**

ــــــــــــــــ

**مع الاعتذار من الشاعر الكبير نزار قباني

*محامية و قاصة سورية تقيم في سويسرا