إسورة مختلفة
إيمان أحمد شراب
[email protected]
فتحت تلك العلبة المخملية ، أخرجت منها إسورتي الذهبية ، والتي لم يبق
لدي من ذهب وحليٍّ سواها ... أحبها ، أحب ذكراها ، فلها في القلب أكثر من ذكرى .
الأولى : عندما خطبني زوجي ، وأحضرها لي هدية ، وألبسني إياها ،
كنت سعيدة بها للغاية ، مع أن أمي لم تكن كذلك ، فلم يملأ عينها أن
تكون هي كل (شبكتي) ، وأذكر يومها أنني رأيت عدم الرضى في عينيها ، ولكنني لم أفتح
معها الموضوع ، لأنني لم أرد لأي شيء أن يكدر فرحتي ..
وبالرغم من أن كل ما أملك من ذهب قد ذهب ، حلا لمشاكل كثيرة ! إلا هذه
الإسورة ، لم يهن علي ّ أن أبيعها ، وأخفيتها بعيدا عن عينيّ حتى لا ألجأ لذلك
يوما .
ومع ذلك جاء يوم ، أخرجتها وتأملتها طويلا ، مسحت دمعتين لا أكثر ، ثم
في حقيبة يدي وضعتها ، وانطلقت بقوة حتى لا أتراجع ، واتجهت إلى محل لصائغ ، وقفت
أمام باب المحل فترة لم أدر عن طولها ، ثم وجدت أنني لا زلت أمشي في مكاني، فأدرت
مفتاح القوة وتقدمت ...عرضتها على البائع المشتري ، وقلت له :
أريد أن أبيعها .
تأملها ، وبأدب سألني : سامحيني لتدخلي ، ولكن ، هل لي أن أعرف لماذا
تريدين بيعها !
أدرت وجهي أخفي دمعتين أخريين وأوقفت رجفان ذقني وحروفي ، وأدرت
مفتاح القوة ثانية وقلت :
أحتاج ثمنها أرسله لولدي الذي يدرس في الجامعة ..فقد اشتد الضيق هذا
الشهر ولم نستطع أن نوفر حاجته.!
بشهامة عالية قال : لا تخطئي فهمي يا سيدتي ، ولكنني من وقوفك طويلا
أمام باب المحل أحسست مكانتها عندك ..سأعطيك ثمنها ولا تبيعيها .
أردت أن أقول ولكنني لم أقل ،فلم يعطني الفرصة ، بل ذهب ووضع المبلغ
في ظرف، ومده إليّ .
قلت:يمكنني أن أستلف من أي قريب أو صديق ، ولكن ...
قال : أفهم ، أفهم ولا زال يمد الظرف إليّ، وأقسم عليّ أن آخذه !
قلت : سأعطيك رقم الهاتف ، وسأعتبرها سلفة لنهاية الشهر !
قال مبتسما : لا أريدها والله ! ولكن إذا كان هذا يرضيك فلا بأس!
ثم أقسم عليّ ثانية أن آخذ الظرف منه .
خرجت بدموع كثيرة هذه المرة ، ولم يفد معي مفتاح القوة أبدا!
وفي نهاية الشهر ، عدت كما وعدت ، بحثت عنه في المحل فلم أجده ! سألت
عنه البائع الآخر الموجود ،فقال لي : يرحمه الله !!! وقفت ساعتها كالصنم ، وقد تاهت
مني كل المشاعر ، ثم سألت : متى ؟
قال : منذ شهر !!!
وبينما أنا في غرفتي أتأمل ذكريات هذه الإسورة وأترحم على ذلك البائع
وأدعو له ولكل من يحبهم من أجله ...يدخل عليّ حبيباي زوجي وابني ...يفتح ابني علبة
مخملية، ويخرج منها إسورة ذهبية ويقبل رأسي ويدي ويقول : وهذه ذكرى ثالثة !
قلت : من قال لك ؟
قال : أبي .
قلت : ألم أقل لك يا زوجي ، إنها إسورة مختلفة ؟!!