بداية

عزيز العرباوي

[email protected]

كاتب وشاعر من المغرب

استقبلتني الشمس رغم ديكتاتورية الرياح العاصفة . ومنحتني فضاء دفء وصفاء ونشاط وحيوية ، رغم البرود المعلن عن بعد في أفق النفس الذي يتجمع فيه الألم واليأس بحذر .

تأبطت حقائبي الصغيرة منها والكبيرة ، واخترقت الجبال الشاهقة حتى المكان الموعود . مررت بكل الدواوير المترامية على جانبي الطريق ، والتي شاخت دورها المطلية بالوحل . وغاب ناسها في عز النهار . يجذبني الحنين إلى الأمل كلما سجل عداد السيارة الكيلومترات وراء الكيلومترات ، أضعت الأحلام التي سجلتها وحفظتها في دفتر الذكريات ، حتى إذا لم يعد لي هناك مفر من قدري ، ظهر القسم يحتل أعلى التلة . فسألت عن البناء القابع هناك رغم أن ملامح البادية حفرت في خيالاتي ، مدرسة الدوار ، جامع الدوار ، بئر الدوار ، البيوت . حتى إذا رأيت العلم الأحمر في وسطه نجمة خماسية خضراء ، فاجأتني أبواب الإدارة المفتوحة على مصراعيها بجانب السكن المبني منذ عشرات السنين كما يبدو عليه .

دفعني الفضول والاستغراب لتحية الشخص الجالس على كرسي وثير داخل مبنى الإدارة ، لمجرد التأكد من أنه هو المدير ، توقفت لأحادثه ولأتعرف عليه أكثر ، دفعتني رغبتي في الاستمرار إلى أن ألمح ورقة بيضاء أمامه كتب عليها اسمي وبعض المعلومات التي تخصني . وجدته يمعن النظر في لحظة ، ولحظة يراقب الورقة . جلست حتى لا أتعب أكثر ، وجعلت نظري يحوم بكل أركان الفضاء ليرشدني إلى معرفة كل مكوناته واحدة واحدة .

خرجت إلى خارج المبنى تخنقني أسئلة لا أعرف لها إجابات . كادت تصدمني أفكار شقية مرت بجانبي لولا انزلقت من مكاني ببضع خطوات . تذكرت رحلتي في منتصف نهار مشمس سعيد ، على متن سيارة " البوجو" الطويلة ، وعلى إيقاع نغمات موسيقية لأمير الفنانين محمد عبد الوهاب.  واختلطت أصوات أناس جدد بتفكير غريب يمتطي فرسا مجنحة . أنقذني مرور أحد هؤلاء الناس من الاصطدام بي . فنظرت إلى قدمي التي أتعبها المشي . ورأيت صباغة حائط الإدارة وقد ازدادت تآكلا جامعة خربشات وخطوط صغيرة من جراء تصرفات الأطفال الصغار أثناء العطلة الصيفية .

قذفتني الأقدار إلى دوار آخر الذي يشبه في مظاهره كل الدواوير ، ورأيت أقساما لم تشهد هي الأخرى تجديدات تجعلها أكثر وضوحا ونقاوة ورغبة . إلا أن بعده عن الإدارة وظهور وجوه الأطفال الأبرياء ، كل هذا كان يمحو بذيله أحلام الماضي التي سكنت فيها ....