الشرطة في خدمة الشعب

د. محسن الصفار

[email protected]

من كتاب عالم مجنون مجنون

كان سعيد برفقة عائلته في احد مراكز التسوق يحاولون شراء مستلزمات العيد لاطفاله وبعد ان انقضت عدة ساعات وهم  يتجولون ولا يشترون بسبب غلاء الاسعار احس سعيد فجاة بضجة وصراخ سرعان ماتحول الى تجمهر كبير للناس على شخصين يتشاجران ويتعاركان والناس تعلق وتشجع وكانه سيرك مجاني واحد يشجع هذا وثاني يشجع ذاك دون ان يعرف احد اساسا ماهو سبب الشجار والضرب واحد يقول معه فقد تحرش الرجل الاخر بزوجته !! بينما رجل عجوز يقول لا لا انا شاهدته لقد نشل محفظته ومع استمرار التحليلات والتفسيرات حول سبب الصراع المصيري انفض الشجار فجاة كما بدا دون مقدمات وخرج الرجلان من المركز بعد ان اتضح ان المسالة هي شجار حول من ربح في لعبة الطاولة !!!

بعد ان انفض الناس التفت سعيد حوله فاكتشف ان ابنه الصغير ذو الخمس سنوات مفقود جن جنون سعيد وزوجته واخذا يركضان في كل الارجاء ويسالان الجميع عن الولد واوصافه ولكنه كان كفص ملح وذاب لا اثر له على الاطلاق .

بعد ان يأس سعيد من العثور على ابنه قرر الذهاب الى اقرب مخفر للشرطة وتقديم بلاغ عاجل على امل ان  تساعده الشرطة في العثور بسرعة على الطفل قبل ان يحدث اي مكروه له  لاقدر الله .

دخل سعيد الى المخفر تاركا عائلته في السيارة فوجده مكتظا بانواع واقسام الناس والكل يتحدث بصوت عال ويتدافع شق سعيد طريقه بصعوبه حتى وصل الى الضابط المسئول وسلم عليه وقال

- سيدي لو سمحت اريد ان اقدم بلاغ بفقدان ولدي عمره 5 سنوات ويرتدي ..

قاطعه الضابط دون ان ينظر اليه وقال :

- قف حتى ياتي دورك

- ولكن سيدي ..

- اسكت والا طردتك

سكت سعيد وامره لله وانتظر حتى جاء دوره ساله الضابط

- الاسم ؟

- سعيد وحيد فريد

- كم هو عمر ابنك ؟

قبل ان يرد سعيد رن الهاتف فرفع الضابط السماعة وفجاة قفز من مكانه وقال :

- امرك سيدي سارسل دورية حالا لطرد الكلب الذي يعوي امام منزلكم سيدي تريدني انه اقتله ؟ امرك سيدي ... بالتاكيد سيدي سيرفع رجال الشرطة جثة الكلب من امام البيت وينقلونها الى مكان اخر احتراماتي سيدي .. شكرا على اتصالك سيدي

وضع الضابط السماعة وعاد الى سعيد قائلا :

- قلت لي كم عمر ابنك ؟

وما ان هم سعيد بالرد حتى رن التلفون مرة ثانية وكالمرة السابقة قفز الضابط من مكانه قائلا :

- نعم سيدي تمام سيدي ... تحت امرك سيدي ... سارسل دورية حالا كي تغير دولاب سيارة ابنتكم سيدي .... بالتاكيد ستاخذ الدورية الدولاب المثقوب وتصلحه ثم توصله الى بيت سيادتكم

احتراماتي سيدي

التفت الضابط الى سعيد وقال :

- ماهو لون السيارة المسروقة ؟

- اي سيارة ياسيدي ؟ ابني الصغير هو المفقود وليست سيارتي

- ولد ، سيارة ، طيارة كلها بالنسبة لي محاضر يجب تعبئتها والسلام

- ولكنه طفل ياسيدي واخاف ان يحدث له شي

- لن يحصل له شي  البلد بامان وفيها شرطة ام تراك لاتثق بالشرطة ؟

- اكيد اثق سيدي انتم عمادنا وتاج راسنا و..

رن  التلفون قبل ان يكمل سعيد كلام وبنفس السيناريو رد الضابط :

- نعم سيدي ... سارسل فورا دورية الى مكان الحادث سيدي .... اكيد زوجة حضرتك ليست هي سبب الحادث .... الرجل الذي دهسته هو سبب الحادث ... سنكتب في التقرير انه كان سكرانا وقت الحادثة وقفز امام السيارة ...... المصاب امام مسجد ؟ اذا حكاية سكران صعبة ..... نكتب انه اغمى عليه فجاة على اثر هبوط السكر بسبب الصيام .... ولو احنا تلاميذك سيدي ... ساكلم الطبيب الشرعي كي يكتب نفس الشي في تقريره احتراماتي سيدي

 التفت الضابط الى سعيد وقال :

- ماهي اوصاف النشال اللذي سرق محفظتك ؟

- ليست محفظة بل هو ابني يا سيدي انا في عرضك ركز معي الولد سيضيع

- لايضيع شي في هذه المنطقة ونحن فيها ام تراك من الذين يشككون بكفاءة السيد وزير الداخلية - انا ؟؟؟؟ اعوذ بالله السيد وزير الداخلية على عيني وراسي

- حسنا هل لديك صورة لابنك ؟

- نعم هاهي وهم سعيد باخراج الصورة من محفظته عندما رن جرس الهاتف مرة اخرى ورد الضابط :

- نعم سيدي ... لاحول ولا قوة الا بالله سيدي .... معقول سيدي ؟؟؟.... الساتلايت عطلان وعامل الصيانة لايرد على الهاتف ؟..... السافل المنحط ..... امرك سيدي دقايق وارسل دورية تجيبه من تحت الارض مكبلا بالاصفاد كي يصلح  الدش  .... احتراماتي سيدي

التفت الضابط الى سعيد الذي بادره بالقول

- الله يعينكم سيدي حفظ الامن مسؤولية شاقة من اول الليل والتلفون لم يسكت لحظة

- طبعا هذا واجبنا فالشرطة في خدمة الشعب /span>

- ولكن يبدو لي ان المتصلين كانوا من السادة المسؤولين

- اليس المسؤولين من افراد الشعب ؟ الا يجب علينا خدمتهم ؟ ام تريدنا ان نتجاهلهم لمجرد انهم مسؤولين عجيب والله ..

- حسنا سيدي لاتغضب هل ستعمم بلاغا بفقدان ولدي ؟

- والله يجب ان تصبر حتى الغد فكما ترى ليس عندي افراد والدوريات كلها خرجت لتنجز مهاما

- قتل الكلب من امام باب المسؤول واعتقال عامل الستلايات المسكين اهم من ولدي؟

- بدات تتكلم في السياسة اتريدني ان اضعك في الحجز حتى الصباح ؟

قبل ان يرد سعيد  رن جرس الهاتف وكانت زوجته على الخط التي زفت اليه بشرى العثور على ولده من قبل  الجيران اللذين شاهدوه في احد محلات بيع الالعاب في مركز التسوق .طار سعيد من الفرح  وقال للضابط :

- شكرا لك لاحاجة لجهودكم الكريمة فقد عثرنا على ولدي والحمد لله

تنحنح الضابط وقال لسعيد :

- لاداعي للشكر فنحن لم نقم سوى بواجبنا تجاه كل مواطن والشرطة في خدمة الشعب

وكل مخفر وانتم بخير