قصة الضياع
إيمان حبيب
تشرين والضباب والغيم والمطر الذي ينسكب متراميا على أديم الظمأ والوريقات النحاسية التي تبتسم أبتسامة الموت ترقد مذعورة وأهازيج الخوف تعزف حولها اغنية الوداع وهي تلوي أعناقها للريح المغادرة نحو الشاطئ حيث المرسى والمنفى والأمل واليأس والحياة والموت
وثمة أمراءة مترنحة ثملة بتوبها الرث وشعرها الضغث وقيأ المساحيق على معالم وجهها المتعب بصقتها سيارة في حوصلة زقاقنا المنهار في هاوية الظلام الذي تضئه عيون مصابيح هرمة مهترئه بقبس من نور باهت عابس القسمات يعلوه شحوبا صفرواي الوجه وصدى خطواتها يتراطم بحجارة الزقاق التي تفر متباعدة وهي تصدر صوتا مبحوحا رتيبا مثل مواء القط العجوز الرابض هناك على بقعة جافة سيول العتمة وصرير النوافذ الزاحف كفأر أعمى يلفه الطيش يتدحرج بعيدا يتدحرج بطيئا نحو الرمق الأخير والأصوات المبهمة التي تموت في تيار الخوف قبل أن تصل الى الشفاه الشوهاء فتلوكها الألسنة المتعفنة التي تنبت بالسوء والشوك والطين الثعباني اللزج ,,,,,,,,,,,,,,,,,,زمجرة السماء و وابل لمطر وزقاقنا الذي غرق في بئر معطلة والمراءة المترنحة التي بلعها المنعطف الملتوي على اوجاعه وآلامه تحت دثار الليل الجاثم في رئة خندق سرمدي على الرصيف الأخير وقذفها في حضن بيت يتكئ الفقر في أرجائه هنيئا مستريحا ناعما يتبادل السمر والسهر مع البؤس والعوز وينطق على وجوهنا صفرة ونحولا هذه هي أختي وهذا هو بيتنا ,,,,,,,,,صغيرة كنت أنا عندما أحتضن النعش جسد أمي وغادر بها حيث اللاعودة وسلك طريقا وعرا يعج بالشوك والورد والوحشة والأنس والضريع والاعناب ,,,,أمي التي فرغت منها الحياة وأودعتها هناك في الديار الصماء الباردة حيث لا يسمع لها همسا هناك حيث ترقد الزهور فوق الأرماس بلهاء باكيه بعيون خرس ترقد تشد بعضها بعضا حزينة تغض من شذاها والعبير تتوسد الدمع الذي نام في كف التراب.........................ونحن انا وليلى وياسمين ....لوحنا بيدنا بقلوبنا الواجفة وعيوننا التي صارت أسيره مكبلة بالحيرة والعذاب نحن ودعنا صغيرتنا (وداع)التي قذف بها والدي إلى حضن عمتي حيث أمتطت صهوة الغربة أخذتها بأطراف أصابع من زجاج وبقلب من ورق وابتعدت وأوصدت الأبواب وألقت بمفاتيحها في زوبعة الضياع لم تلتف لم ترى دموعنا .....لم تسمع آهاتنا وأنا لم ألحق بها ...وقف أبي سدا ....نظرة أمي المتوسلة الراجية التي تنزف وجعا وألما ....سد أبي وأصابع عمتي الزجاجية ...وأنا في الحيرة عائمة أتوجس .....أسبح عكس التيار ...أتخبط انا وليلى وياسمين.. ,وأبي لم ينس قبل أن يرحل أن يغتصب الأمن والأمان ..ويصطاد كل طيور الأمل التي تحلق فوقنا وتغني.........لأحلامنا الوردية الزاهية.. ونثرنا عن قلب سرورنا ...والهناء واستولى على دفء سعادتنا تأبط ذلك كله وذهب مغاضبا مكفوفا طارحا أيانا في حمأة الضياع وسعير الحياة .....................(ياسمين)تقف هناك في فوهة الشارع والشارع لها بالمرصاد تلف حول جيدها الأزهر صندوقا تبيع اطوق الياسمين والفل وباقات الورد حافية ترقص على مستنقع الجليد مبعثرة ضفيرتها كانت ضفيرتها ناعمة حريرية مدللة الشرائط تدس اصابعها في طيا ت الياسمين تلتمس الدفء الذي زرع أبي في قلبه اليأس فأصبح يبابا يذروه البؤس ...نحن والسنوات العجاف والفقر حشرنا في غرفة تحاكينا بؤسا وسارت (ليلى) في دربها تقتلع لفقرنا من بين فرث ودم القوت والدفء ونحن من عسر الى عسر ..............لا ضوء لا امل ولا بريق سنا أختي والفندق الحقير والزجاجات والإشمئزاز والقرف وأنين أختي المكتوم ودمعها المسفوح على خديها واللقمة المغموسة بنزيف الوجع ارتمت (ليلى)وربيعها العشرين وحدائقه الغنائة وخمائل الفرح والأنس في دهاليز العذاب وبيادر الألم وآفاق الأمل التي لا تطل شرفته على شاطئ الحلم الوردي ولا ينتهي دربه الحلو العرج الى بستان اللؤلؤ والمرجان آفاق الأمل التي لا تشرع نوافذه على السماء الصافية ذات القمر الباسم الثغر مضئه والسناء البهي و الشمس الناعسة والضياء الضحوك..أخجل من دمع أمي....أنا أخجل من نظرة أمي أخجل من طيفها اسير إليها وأنا وخجلي وحفنة من ماء أرشه فوق تراب أمي مع دموعي وصمتي والذكريات .....وأنا منكية على مقاعد الدراسة الملم من فؤداها شعت التلاميذ وأحصد آثار عبثهم يشدني التعب من السلم الحجري الى الحمامات أقتلع الفوضى بيد من نحاس يطويني التعب تحت جناحيه ينتزع سنابل الراح بمخالب من حديد تشدني رياح الشقاء أجتث قوتي من ضفيرة (ياسمين)المسافرة في قلب ريح طيبة تسير بها في نهر حلم الطفولة العذب و بسمة (ليلى )المشلولة التي تقبع في مخملية البؤس واليأس......وأناخ المرض في ساحة أختي (ليلى) وقعت أرضا تتلوى هرولت صرخت بكيت تمزقت شغاف قلبي غادرت روحي حنجرتي هرولت بصراخي الأعرج وأملي الأصم الأبكم هرولت أستجدي ملء كفي رحمة ملء كفي حنانا ملء كفي عطفا اطوف حول نفسي ألف وأدور في حلقة مفرغة أهاجر ألملم صراخي انثره أبعثره أرشه فوق الشبابيك وعلى رصيف زقاقنا انثره ارشه ابعثره على ابواب جارتي يائسة محمومة صراخي أعرج أملي أصم أبكم وأصبعي أكتع ......حمى هذيان اصابه نوبة صرع هستيري .... أصوات أقدام ألتقطها يأسي قفزت كلبوة جريحة أصوات أقدام تخترق مسافات الجفاء وتتخطي حقول الوحل ويتفجر أمامي ينبوع الود والحنان بصرت عن جنب رأيت جارنا (فارس) يحمل أختي ويسير بها نحو الطريق وأنا من راءه مذهولة أتعثر بتعبي بدموعي وشهيقي وزفيري شدني صوتي أختي (ياسمين)ألتفت مبنسمة مطمئنة في حمأة من الشرود .... لقد رأيت جارتي (جميله)تضم (ياسمين) لصدرها وتضع شالا على كتفيها.....استخفني الفرح أخذ بقلبي الجريح إلى عالم...يغني له الود ويزينه الدفء أحسست بشروق النور في مدلهم العتمة والظلام...تطلعت إلى(ليلى) ابتسمت لها ,, كانت بسمتي كسرب حمام أبيض الجناح اسمر القلب .....وعندما عدنا إلى البيت كان الأمان قد سبقني وألقى شذور النور والضياء التي راحت تنفض غبار الظلام عن فؤاد بيتنا تقض جلسات العنكبوت التي عسعس هناك وامتلئت قلوبنا بالنور والامل ومن جديد رحنا نزرع الحب نقلتع جذور اليأس والبؤس لقد عادت إلينا الحياة مشرقة متألقة بالبهاء والأنس واشرأب الأمل الذي أضاء لنا..... ضحكت الزهور على قبر أمي اشرأب الأمل سيعود والدي حاملا (وداع)بيد وبيده الأخرى الأمن والأمان.