التنورة والذئاب

التنورة والذئاب

سميح الجعبري - القدس الشريف

[email protected]

طريق عودتي من العمل في المؤسسة الأجنبية يمر بشارع صلاح الدين في القدس. شارع يعج بالحياة على مدار الأسبوع، ولكنة يختنق بمتسوّلي الجنس في يوم عطلتهم السبت، وكأنهم ضفادع في موسم نداء الطبيعة، يتعالى نقيقهم المبتذل كلما داعب كعب أحجار الرصيف الناعمة، لشارع ينسب إلى من حرر المدينة ليحتلوها من الداخل.

السبت الأخير، كانت غرة الشارع هي نهاية رفقتي لزميلتي الأوروبية حيث افترقت مقاصدنا. وهو ما زال يتبعنا، ولوهلة، كنت أظنه يتبع شعرها الذهبي، أو ربما... سهولة الحصول!.

تابعت مسيري ولكنه كان خلفي، أكاد أحس لهيب عينيه يحرق أسفل ظهري، وبرد أنفاسه يسمّر بدني تحت جورب النايلون الأسود، فأصبحت كأني ألبسه تحت جلدي، فكان يُعرّيني ويُلبسني ثم يُعريّني ثم يلبسني بكلمات يحسبها ستثيرني.

أشدّ في مشيتي فيغريه الاهتزاز، فأتوقف ليجتازني فتغريه واجهة الحانوت لينتظرني، ألتفت فيشعل سيجارة أخرى.

-  ماذا تريد؟ سألت في نفسي وأنا أفكر في حيلة

-  هذا جسدي وهو ملك لي. وما تحت تنورتي لي أنا ولي فقط.

-  أنا لن ألبس على هواك

-  ومن أنت أصلاً

-  جسدي ليس عنواناً لرجولتك العاجزة عن إغرائي. ومعاش الشهر الذي أنفقت على التأنق ليس إلا سخاءً منك لدور الموضة في الجانب الخاطيء من المدينة.

-  ما تحت تنورتي لي أنا ولي فقط...

أفكار في رأسي تزاحمت كانهيار ثلجي قبل أن تقرر رجلاي شد الرحال من جديد، ولكن... لحظة، لا لهيب يحرق ولا أنفاس باردة ! هل يأس؟ أم هل ردعته ما رسمت السنون من خطوط على حدود وجهي ذي العقود الثلاثة ؟

لم أكن لألتفت لو لم أسمع رعداً من الحناجر المنتفخة توقف حركة السير والسائرين، ليس لشيء يذكر إلا للاستمتاع بصراع الديكة، حيث كل شيء فيها مباح، الحزام والسكين والمفك ولافتة الحانوت... والقائمة تطول. وهو كان في قلب المعمعة، فشرفه على المحك، والذئاب كثيرة هنا واليوم، ولكن التنورة هذه المرة كانت أخته.