قصص قصيرة جداً
محمد سعيد الريحاني
-1-
الحبيب والزوج
لاح لها رجل في البعيد.
رجل كزوجها فابتسمت للاحتمال.
رجل كحبيب قلبها فخفق قلبها بقوة.
لوحت بيدها اليمنى لزوجها منتظرة إياه في مكانها.
وجرت، في خيالها، إلى حبيبها كطفلة تمكن منها الهياج فعَدَتْ حافية القدمين غير عابئة بالأشواك المنثورة على الأرض وشظايا الزجاج المكسور.
صافحها زوجها واحتفظ بيدها بين يديه.
عانقها حبيبها وغاب وجهه تحت شعرها المخبل.
قبلها زوجها على جبينها.
وقبلها حبيبها على شفتيها.
سألها الزوج عن أحوال البيت.
وسألها الحبيب عن أسباب الغياب.
قال لها زوجها: "مرحى بالنعيم الذي يبشر بنهاية زمن غيابات القلب!".
وقال لها حبيبها: "هده ليلة حياتنا فقد لا نلتقي أبدا بعدها!".
قادها زوجها إلى المطعم الفاخر المجاور وخيرها بين أشهى الأطباق وأبذخ السلطات وسدد الفاتورة.
وقادها حبيبها إلى الغابة المجاورة وفرش لها سُتْرَتَهُ واحتضنها بذراعيه تحت فضية نور القمر المتسلل بين أوراق الأشجار..
أعطاها زوجها صورته فعلقتها على جدار الصالون ودخلت المطبخ تاركة إياها تبتسم للضيوف.
وأعطاها حبيبها صورته فدستها تحت صدر قميصها ليقبلها قلبها مع كل خفقة في كل ثانية.
-2-
من رجل حر إلى وثيقة عائلية
في عيد ميلاده السابع، أخبره والداه أنه قد بلغ سن دخول المدرسة.
نظر إلى المرآة واطمأن إلى نموه وانطلق يعدو خلف والده لتسجيله في المدرسة.
وفي عيد ميلاده الثالث عشر، أخبره والده بأن عليه من ذاك الحين فصاعدا أن ينام في حجرة خاصة به بعيدا عن أخته.
نظر إلى المرآة فوجد شعرا جديدا يغزو وجهه. تنحنح فسمع غلظة جديدة في صوته.
وفي عيد ميلاده الرابع والعشرين أخبره والداه بأن عليه إيجاد عمل يعيله على الاكتفاء الذاتي.
نظر إلى المرآة فوجد عضلاته مفتولة والصحة تطل من كل أعضائه وأطرافه.
وفي عيد ميلاده الخامس والعشرين، نصحه والداه بالزواج وتكوين أسرة والاستقلال عنهما ورعاية ذريته.
نظر إلى المرآة فوجد جمالا يستحق نقله لنسله وقوة تستحق التخليد في ذريته...
وفي عيد ميلاد ابنه الخامس، سأل عن عمره وعن انقطاعه عن الاحتفال بعيد ميلاده، فكان الجواب من وراء كتفه:
- "يجب أن تميز بين حياتك سابقا كعازب وبين حياتك الآن كَرَب أُسْرَة. إن الرجل العازب يشبه وثيقة نامية قابلة للإضافة والحذف والتعديل. أما الرجل المتزوج فهو ذات الوثيقة لكن بالبلاستيك فوقها لتجميد المعلومات المدونة على الوثيقة. حين يتزوج المرء يمر البلاستيك على طموحاته الشخصية ويصبح، بكل ما أوتي من حضور مادي ورمزي، مجرد وثيقة عائلية".