مَرْحَباً يا صَباح

مَرْحَباً يا صَباح

مصطفى حمزة

[email protected]

- صاحَ بها : لقدْ تمادَيتِ كثيراً يا " مَدام ".. تخرجين في الصّباح وتعودينَ بعدَ منتصفِ الليلِ !

- صاحتْ به : هكذا عملي الذي أطعمكَ منه أنتَ وأولادَك ..

- صاحَ بها : أنا أعرف أنّ عملَكِ يبدأ في الثامنة صباحاً وينتهي في الثانية ظهراً فإلى أينَ تذهبين بعدَ الدّوام ؟!

- صاحتْ بهِ : أنتَ تعلم أنّي مسؤولة في " الجمعيّةِ النسائيّةِ " ، وتعلم أنّي مرتبطةٌ باجتماعاتٍ ولقاءاتٍ وسَفراتٍ إلى الأريافِ .. أنا لا أرتاحُ ساعةً واحدةً ..

- صاحَ بها : عظيم يا جمعيّة النساء ! عظيم . هذا يا" مدام" كلّه في النهار، فما عملُـكِ في الليل ؟! إلى منتصفِ الليل ؟!

- صاحت به : أنسيتَ الأمسياتِ التي تُقامُ تحتَ رعايتنا ؟ أنسيتَ المعارضَ الفنّيّةَ التي علينا أن نفتتحَها ؟ أنسيتَ الحفلاتِ الخيريّةَ ..أنسـيتَ ، أنسـيتَ كلّ ذلك ، أم إنّكَ تشكّ فيّ يا سيّد وجيه ؟!

- صاحَ بها : ولمَ لا أشكّ فيكِ ؟ وما أدراني أنّكِ لا تكذبينَ عليّ ؟!

- صاحتْ به جدّاً  : أتشكّ فيّ بعدَ كلّ أفضالي عليك .. بعدَ أنْ جعلتُ منكَ إنساناً ؟! هذا الذي كانَ ينقصني منكَ يا بنَ أمّك .. هذا الذي كانَ ينقصني !

- صاحَ بها جدّاً : لاتذكري أمّي على لسانِك .. إنّها أشرفُ منكِ ومن عائلتِكِ .. أفهمتِ ؟!!

- صاحتْ بهِ جدّاً : رِجلي .. هل تسمع ؟ رِجلي أشرفُ منكَ ومنها ، ومن كلّ عائلتِك ..

- ردّ عليها صائحاً : خَسِئتِ ! فأنا أعْرَفُ بكِ .. أنسيتِ مَنْ أنتِ قبلَ أن أتزوّجكِ ؟!

- ردّتْ عليهِ صائحةً : لا لمْ أنسَ .. ولمْ أنسَ كذلكَ ما كنتَ أنتَ .. كنتَ تلبسُ عمامـةَ المشايخ .. أليسَ كذلك ؟!

- صاحَ بها : لا تفتحي الدفاترَ القديمة ، هذا أحسنُ لكِ ..

- فصاحتْ به : أنتَ الذي فَتَحَها ..

- صاحَ بها أكثر : لا تهربي من الموضوع الأساسي .. أنا لا يُعجبني سلوكُكِ تجاه البيت .. أنتِ مستهترة يا " مدام " !

- صاحتْ أكثرَ منه : بل أنتَ المستهتر ..

- صاحَ مستغرباً : أنا ؟!!

- صاحت مؤكّدة : نعم أنتَ .. لماذا لمْ تقُمْ بنشرِ الغسيلِ الذي غسلتَهُ يومَ أمس ؟

- صاحَ باكياً : كنتُ أعدّ طعامَ الغَداءِ لكِ ولأولادِكِ .. كي تملؤوا بطونكم التي لا تشبع !

- صاحتْ مؤنّبة : وقبلَ ذلك ؟

- صاحَ موضّحاً : كنتُ أجلو الصحون ، وأنظّف الأرضَ ، وأمسحُ زجاجَ النوافذ .. واللهِ كادَ ظهري أن ينكسر من العمل ! هل تظنّينَ عملَ البيتِ سهلاً كعملكِ أنتِ ؟!

- صاحت به : اخرجْ .. اخرجْ وجرّبْ .. أنا أراهنكَ على أنّكَ لن تصبرَ يوماً واحِداً على مخالطةِ الناسِ والمعاناةِ معهم ، أنتَ لا تعرف كم أشقى لأجلبَ لكم قُوتَكُمْ ، واللهِ ريقي ينشف كلَّ يوم !

- صاحَ ساخِراً : بيّاعةُ حَكي ..

- صاحت به : أحسنُ من أن أكونَ مثلَكَ ؛ لا أعرفُ التكلّمَ بجملتين مفيدتين   !

- صاح مهدّداً : لا تُطيلي لسانَكِ أيتها الفاجرةُ .. وإلاّ قطعتُهُ وأطعمتُكِ إيّاه !

- صاحت مستهزئة : واللهِ يا " بطل " يدُكَ أقصرُ من لسانِك !!

( اختلطَ الصّوتانِ . علا صوتُها . خَفَتَ ، ثمّ علا صوتُهُ بالتأوّه ! الآنَ صوتُها أعلى . تشتمه . يشتمها  يستيقظ الأطفالُ ويبكونَ معاً دُفعةً واحدةً ! وتختلط أصوات بُكائهم بصَوْتي الوالديْن ! )

- يصيح : كفى .. كفى .. لقد أفزعتِ الأولادَ يا لئيمة ..

- تصيح : أيهمّكَ أمرُهم ؟ هل يهمّكَ أمرُهم ؟ لعنةُ اللهِ على هذه العيشة الحقيرة ! أشقى في النهار وأشقى في الليل ! لقد سئمتُ .. لقد سئمت .. أتسمع ؟ لقد سئمت .. إنّي امرأة .. أنا امرأة أنتَ الرجلُ .. هل تسمعني ؟ أنتَ الرجل ..

( يسكت .. لعلّه يُهدئ الأطفال ! )

    كان هذا جارَنا " السيّد وجيه " وزوجته " السيّدة مُطيعة " في مشهدٍ صوتيّ حضرتُهُ رغمَ أذُني ! وحالما أسدلتِ الستارةُ عليه ؛ استغفرتُ ربّي وقمتُ فتوضّأتُ وصلّيتُ الفجرَ ، ثم استلقيتُ أستجدي إغفاءةً قبل أنْ يحين موعدُ مغادرتي إلى عملي ، ولكنْ هيهاتَ ! فلقد جدعَ الصّداعُ أنفَ النوم ! ..

مددتُ يدي إلى المذياعِ بقربـي ، وأدرتُـه منتظـراً برنامجي الصـباحيّ المُحَبّبَ " مرحباً يا صَباح "  وبعدَ قليل ، سمعتُ صوتَ المذيعةِ المُخمليَّ العَذْبَ يصدح من المذياع : " أحبّائي : لكم منّي أحلى تحيّة في هذا الصباح الرائعِ بصُحبتِكم ، العَطِرِ باستماعِكم إلينا ، وكم يزدادُ روعةً إذا استقبلناه بأحلى الكلام !

أحبّائي : من أحلى الكلام ما قال طاغور - شاعرُ وفيلسوف الهند – عن المرأة . قال : " إنّ أجملَ ضحكاتِ المرأةِ ضحكةٌ في وجهِ طِفْلِها تعلّمه بها معنى الحَنان ، وضِحكةٌ في وجهِ حبيبِها تعلّمه بها معنى الحبّ " ... وقالوا عن المرأةِ أيضـاً – أيّهـا الأحبّـة - : " إنّ غايـةَ ما وصلتْ إليهِ المرأةُ في " تحرّرها " في هذا العصرِ أنّها لمْ تًُصبحْ رجلاً ، ولمْ تَعُدْ امرأةً  " !!

وعلى صوتِ الموسيقا الناعمة التي خُتمَ بها البرنامج نهضتُ فلبستُ ثيابي ، وقصدتُ عملي ..