ثعلب في ثوب زاهد

وزنة حامد *

[email protected]

أنفقت الأموال,بعثرت الكثير,أهدرت تركتك كاملة ,والآن ماذا بقي  لتحتفظ به..عقارات بعتها..!! بساتين وهنتها ويبستها كلياً إلى أن باتت مرتعاً شاسعاً للأطفال ومعبراً آمناً للبهائم .

والطواحين  آه أوقفتها.؟!

ماذا بقي من تركة والدك, سوى هذا المنزل البسيط وهذا الأثاث الرث الذي يقرف منه العين , وتشمئزه النفس

- انحدرت من جباهه قطرة عرق.

- ابتعد عن المرآة التي قرفت نجواه وندمه ,وكأن كل شيء من حوله يعاتبه ويلومه , حتى ذكريات الماضي اشرأبت تمد لسان حالها ساخرة متذمرة منه, الطقس لا يهمه كثيراً إن كان واهجاً أو مثلجاً ,إحساسه بدأت تتلاشى كذكرياته...توارى على غرار تركته كلياً, مات كحال والده الذي ترك ثروته التي لا تعد ولا تقدر, والآن كيف له أن يتصرف,؟هل يدق أبواب الأصدقاء الذين اقتاتوا على بقايا فضلاته كقطط عمياء أو ككلاب تذل له,؟ هل يترجاهم أم يستجد منهم بعد إمكاناته التي كانت كالمطر الوفير ينبت الزرع في صحراء إعوازهم وسنواتهم القاحلة..؟

لكن الكبرياء... هذه الكلمة التي هبطت من علياء السماء كنيزك وحلت بثوب زاهد ,أيعكر صفوتها بالاستجداء منهم  أم...ماذا...؟

أحكم على نفسه الباب كأسير وهو يسوق نفسه إلى دهاليز العتمة... أو كمقاتل يبحث عن نفسه,كل ما يدركه بعد صرصرة الباب أن غرفة والده ما زالت إلى الآن مغلقة وما عليه إلا أن  يقتحمها ...

ترى هل يفتحها...؟ أم تبقى مغلقة ...؟ إلى متى والزمن فاغر الفاه يطحن الحجر والتراب معاً...ولج الباب الموصد بعد عهد ليس بقصي, دفع الباب بإذعان...وكأن والده واقف على بعد منه ينتظر مداهمته... أنار ضوء,المكتب الذي رسم الزمن عليه بهندسة تقاسيم ولى عهده ,كرسي وثير صامت,خزانة خشبية مثبتة بالحائط , صورة لوالده ... تذكره بأيامه المجيدة .

أقترب من الخزانة قليلاً فضها من الداخل, ليشاهد علبة صغيرة مطلية بالذهب مطبقة رفعها بارتياح وبلامبالاة تأمل في عمقها, ليشاهد خرقة سوداء مطبقة, ومغلفة . فك حزام الخرقة , وإذ في تجاعيدها جوهرة مدهشة فاجأته بريقها ووضعها في جيبه ثم أطبق العلبة ثانية ليخرج هذه المرة من غير أن يلتفت من حوله , حتى الصورة المعلقة فوق رأسه أبى أن يودعها أو حتى يشكرها, والآن إلى أين أنت ذاهب أيها الضائع..أيها الإنسان الذي ركلته الزمن غير مكترث بهمومه و دموعه ,أتريد بيع الجوهرة...؟ ربما ستغنيك عن سنواتك المرة...؟ أو لربما  سيعود عصرك الذهبي الذي برح سريعاً...؟أو قد يعيد خلانك الذين تلاشوا في ضباب وضياع و فراغ...؟ لكن إلى أين أنت ماضٍ...؟

باتجاه الملك...؟ ومنه سريعاً إلى المقصلة التي تنتظرك لأنك ضيعت كل شيء...؟

استأذن الحاجب اخبر الملك هذه هديته...؟ اقترب من البلاط ...؟ الملك يلوح بأصبعه نحوك... تقدم...توسط كوكبة من العلماء والقادة والأمراء اقترب من العرش... ما بينك وبين الملك. خطوة...أو خطوتان إنك في حضرته وجها لوجه...

انتبه حذار أن تتلعثم معه في الحديث... قل ما تريد... أو مالذي جاء بك إليه...؟!

أتهدي الملك هذه الجوهرة...؟ّ!هل أنت أحمق...؟ أم بك مس...؟ مالذي تتوقع منه, وظيفة داخل القصر...؟أم ملكاً على الارض, حاشية و خدم و جواري...؟

ماذا طلبت من الملك...؟ تريد معاتبتك أمام الناس كلما مر موكبه...؟

أنظر إلى الملك  انه يبتسم...لا ادري ربما يسخر منك..

أتدري لما...؟

لأنك شخص تافه...أردت من الملك ان يعاتبك كلما مر موكبه وخاصة وسط الناس...؟أهذا هو ثمن هديتك له...اسمع... ربما الملك يسألك لما هذا الجزاء بدل الوفاء...؟ومن تقاليد الملوك رد الصاع صاعين أو ربما أكثر من ذلك... فلماذا أنكرت على نفسك النعمة بدلاً من النقمة..حسناً...

وافق الملك...انه يعدك بذلك...فماذا ستجني من وراء مبتغاك هذا...؟ عقاب بدلا من الثواب...؟انه الملك يسير بموكبه أمام دارك... ناداك الحاجب...قف ان الملك يريد معاتبك...انتظره ليعود ثانية و ثالثة.

وفي كل مرة العتاب والتقريع...وأخيراً سطحت شمسك أيها ألفهيم...بدأ الناس يتوافدون عليك .يتخيلون بأنك صديق حميم للملك .وهنا العتاب مباح بين الخلان .

وراح الناس يتقاطرون كي يعقدون معك مشاريع ,إنهم يدفعون لك الأموال بجود , في سبيل طلبات من الملك .

ودار الزمن معك أيها الخسيس ,عرفت كيف تحول الغباء بالدهاء . والناس حمقى تخدعهم القشور والمظاهر ,وتستفزهم الظنون وتقتادهم إلى إشاعات هوجاء ..

حقاً إنك: ثعلب ولكن في ثوب زاهد ..

              

* - وزنة حامد : قاصة سورية.