أنا مع من
د. محمد وليد اسكاف
مواطن عربي سوري
أنا مع من؟ لا اعرف تماما، كنت مع الكثير من الناس، الآن لا اعلم، اعرف جيدا محمد حلاوي مع من .
محمد ، أو حلاوي كما يلقبونه في الحي حيث يتواجد كل يوم من كل أسبوع كل أيام السنة، حلاوي مع الرئيس، لا لا ليس الرئيس الحالي، الرئيس المرحوم .
كنت طفلا حين كان حلاوي شابا، وكان أطفال وفتية الحي حيث أعيش يتحينون الفرصة حين يأتي حلاوي إلى الحديقة العامة ليرشقونه بالقاذورات، لا ليس الأمر سياسيا، لن أورطكم بالحديث في السياسة، كان محمد حلاوي يشكل تسلية للحي ولفتيته على وجه الخصوص، نعم هو مجنون.
لا اعرف ما التعريف الدقيق لحالته، ليس انفصام شخصية، لو كان انفصام لعاش في رعب ولخاف من البشر ولبقي يسمع هلوساته، ولكن حلاوي ليس كذلك. اعتقد ببساطة انه مجرد عصاب تأخر الوقت على مداواته، أو عيب خلقي، لربما كان مرضا بسيطا الذي الم به، ولكن أيامها تعرفون الطب النفسي كان بدائيا، لا لم يقع تحت تأثير الشيوعيين، على الأقل لا اعرف بهذا، لماذا الكذب؟ أنا لم اسمع يوما إن الشيوعيين استمالوا حلاوي، كل ما في الأمر انه شاب مجنون من عائلة محترمة، ولكنه دائما في الشارع، ويمر أخوته على أصحاب المحلات بانتظام ليدفعوا لهم ثمن ما يأخذه حلاوي من حلويات ومرطبات.
لا بالحقيقة اسمه ليس لأنه يأكل الحلويات، هم يدعونه حلاوي لان المثل يقول "تأكل برأسي حلاوي" كيف اكتبها بالمقالة؟ أو اكتب أن المثل يقول "تأكل بعقلي حلاوي" وهي تعني في العامية أن تستغشمني، آه تستغشمني ليست عربية؟ طيب تستحمرني، مشتقة من حمار على وزن تستفعلنني؟ معقول؟ طيب.
نعم اذكر أين وصلت، حلاوي اسمه كذلك لان الناس تعتبره حمارا، لا ليست شتيمة، طيب الناس تعتبره أحمقا مجنونا، فسموه حلاوي، والحلاوة هي نوع من الحلويات المحلية المصنوعة من السكر والطحينة، أي مطحون السمسم، السمسم هو المادة التي يقول البعض عنها أنها تفتح شرايين المخ وتزيد الذكاء، ولكن في الحقيقة المفعول الوحيد المعروف للسمسم هو فتح أبواب المعدة ، نعم عفوكم لا ليس القصد. طيب طالما تعرفون ما السمسم.
نعم حين أصبحت مراهقا كنت اعتقد أن حلاوي من الاستخبارات "المخابرات" كما تلفظ لدينا بالعامية ، لأنه يتحرش بالمارة ويسأل الناس عن أشياء خاصة، مثل؟ مثل ما اسمهم، لماذا يمرون من هناك، وكان يفرض الخوة أيضا، يوقف الناس ويقول "اعطني" نعم مال، نعم خوة لأنه يطلب المال، ولا يشحد بشكل منتظم، لو كان يشحد أو يقول من مال الله لقلت لكم انه كان يشحد، لا هو يفرض خوة، نعم، أضف إلى انه كان يستخدم كل باصات الدولة مجانا، كنت أراه في منطقة السبيل، ثم يصعد إلى الباص، وهوب يصل إلى منطقة باب الفرج، نعم هذا يغذي الشكوك بأنه كان من المخابرات، ولكن المخابرات حلوا في العهد الجديد الذي نشاهد فيه تحول من نظام ديكتاتوري إلى نظام ديموقراطي والى نظام يعمل على الإصلاح السياسي و الإصلاح الاقتصادي ،حيث لموهم واحدا واحد من شوارع حلب، تقريبا فرغت الشوارع، صرنا نشتاق للمخابرات الشحادين، من مدمني الخمر والمهووسين والمثقفين ؟ .
يا أخوتي فرغت حلب وشوارعها إلا من حلاوي .
كنت أمر قرب المسجد، نعم أحيانا ادخل لأصلي، وأحيانا اخذ دروسا في الفقه، لن اكذب عليكم، نعم في مراهقتي أنا اعترف، تقربت من الله، وكان المسجد الذي ارتاده هو نفس المسجد الذي يقف قرب جداره محمد. كيف من محمد؟ محمد حلاوي.
نعم راجعوا ما كتبت اسم حلاوي الحقيقي هو محمد حلاوي ، نعم، حلاوي بقي .
نعم حين كنت مراهقا عرفت أن اسم حلاوي الحقيقي هو محمد لأنني كنت أمر كل مساء بقربه، كان حلاوي يتوقف في المساء عن تنظيم حركة السير على تقاطع حي السبيل، فكنت القي عليه التحية، كيف ؟ أقول له السلام عليكم يا حلاوي، أه كيف ينظم السير بأية صفة ؟ لا اعرف، لا لم يكن من الشرطة، وأين كانت الشرطة ؟ كانت في إجازة طويلة مدفوعة الراتب .
كان يشتمني كلما مررت وألقيت عليه التحية وأنا استغفر الله وأقول ينوبني اجر.
وأعود لألقي عليه التحية، نعم إلى أن شتمني مرة وقال لي أن اسمه محمد، طبعا ضربني، ولكنه بشكل عام ليس عدائيا .
كنت أقول لحلاوي: استغفر الله يا حلاوي وتب إليه لترحل عنك الشياطين، فيقول لي أنا مع الرئيس، لا ليس الرئيس الحالي، لا ولا الرئيس السابق، رحمه الله، أصبح في دنيا الحق، هذا الذي لم يوقع أي مرسوم إعدام ؟ ؟
حلاوي كان يقول لي انه مع الرئيس، نعم حين كنت أتابع دروس الدين في المسجد كان يقول لي انه مع الرئيس، وكان يمضي أكثر الوقت ينظم سير السيارات على التقاطع، طبعا اعرف خطورة ما أقول لذلك أنا أخبركم بالتفصيل.
حين غرقت في قرأة علم النفس صرت أتساءل عما يدور في ذهن حلاوي، وشجعني والدي على استكشاف عوالم حلاوي، ربما كان والدي يطمح بان أصبح طبيبا نفسيا، أو ربما كان يعتقد أن بقائي قرب حلاوي أفضل من البقاء مع أصدقائي المراهقين مثلي، ولكنني ببساطة كنت ارغب في معرفة كيف يفكر، ذهبت إلى حلاوي عدة مرات، لا بالحقيقة رافقني صديقي يومها في كل المرات، صديقي؟ لا يمكنه أن يشهد لقد مات في استراليا مؤخرا وأوصى بحرق جثته، نعم حرقوها، لا لم يكن خادما سرلنكيا، كان مثلنا من هنا ولكنه بوذي، ليس بوزي بل بوذي، ولا اعتقد انه بوذي ملتزم بل فقط محب للحياة، لا اعرف أين رماده بالحقيقة، قيل لي أنهم رموه في النهر، لا ليس في الهند بل في ؟.
كنت اذهب أنا وصديقي إلى حلاوي، حاولنا محادثته في السياسة فقال لنا انه مع الرئيس، سألته أي رئيس فأشار إلى صورة الرئيس حينها التي كانت تبعد بضعة أمتار عن جدار المسجد الذي نقف بقربه، نعم هو الرئيس نفسه الذي يقال عنه انه لم يعدم أحداً في عهده ، لا لم يوقع على قرار إعدام ، أصلا يومها، أن كنتوا تذكروا لم يوقعوا المرسوم بل بصموا عليه بصما.
ما علينا، كان حلاوي يصر انه مع الرئيس، وكنا نحاول أن نستدرجه لنعرف كيف يفكر، ولكنه كان يقف صامتا، وعدناه بشراء كلسات، كلسات؟ ما هي بالعربية؟ أنها الجوارب، نعم جوارب بالجين وليس الشين، لا العفو لا اقصد إهانة شواربكم، قلنا له بأننا سنشتري له الجوارب، فابتسم وقال "متى؟" فقلنا له غدا، وشعرت بحراجة الموقف فقلت له أن صديقي سيمر غدا صباحا ويعطيك الجوارب، عندها خلع جواربه ورماها إلى الشارع، بالحقيقة لم يكن يرتدي أي حذاء، فقط الجوارب، وخلعها وتخلص منها، ثم قال، "أنا مع الرئيس" وصمت، سألناه عشرات الأسئلة، وكان يقاطعنا ويتحرش بالمارة، ويأخذ منهم الخوة، ويشتم الصبايا ثم يدعوهن إلى تناول القهوة معه، ثم يتف ويسعل، أو يسعل ويتف لا اذكر، ولكنه كان على سجيته تماما، ونحن وقفنا قربه وننتظر أجوبة على أسئلتنا، فصرنا ثلاثة نقف قرب بعض صامتين نحدق بالمشاة والسيارات، والمارة تنظر إلينا وتقطع الشارع لتتفادى المرور قربنا، سألني صديقي إن كان هذا ما يحصل دائما، فقلت له لا أستطيع إجابتك، فلو قلت له أن وجودنا هو السبب لاعتقد أنني مصاب بالرهاب، ما هو الرهاب؟ مرض نفسي، ولو قلت له أن محمد حلاوي هو السبب لاكتشف في المرات اللاحقة بان وجودنا هو السبب فقلت له لا أستطيع إجابتك، ورحلنا كلانا تاركين محمد حلاوي بمفرده.
نعم تكرر الأمر عدة مرات، لا اعرف أن كان حلاوي يصدق معنا، ولكنه كان دائما يقول حين يرانا: أين الكلسات، ما هو الكلسات؟ الجوارب، نعم كان يسألنا أين الكلسات، ومرة ضرب صديقي على كتفه وقال له أريد الكلسات، ولكنه دائما كان يقول حين يرانا انه مع الرئيس..
ثم حين أصبحت موظفا حكوميا قلت لنفسي أنني لا يجب أن أشاهد مع أشخاص مثل محمد حلاوي فهذا يسيء إلى مكانتي ومكانة الحكومة، فرحت أتجنب المرور قرب المسجد حيث يقف دائما، إلى حين طردت في موجة التطهير، لا ليست تطهير للرجال، كان هناك تطهير للرجال والنساء، كيف؟ اعتبرونا فاسدين، ومن ثم طهروني من الفساد والإدارة.
عدت إلى المسجد نفسه، وكلما ادخل واخرج أصبح حلاوي يقول لي انه مع الرئيس، ثم عملت في حملة انتخابات الرئيس ، وكان حلاوي يمسك بدفتر وقلم ويرسم خطوطا ودوائر مبهمة ويقول سيربح الرئيس، إلا أن الرئيس هزم، نعم كان ذلك من عشرين عاما، نعم خسر، كيف رئيس ويخسر؟ لا اقسم أنني لا اكذب، لان الذي ربح كان رئيسا أيضا، نعم الرئيس ربح على الرئيس، وقالوا أيامها أنها مطحنة، وقرب المسجد كان حلاوي يقف ينتظر المصلين للخروج حتى يفرض عليهم الخوة، شاهدني وصرخ لي أنا مع الرئيس .
نعم يومها قلت له الحقيقة بان الرئيس خسر، ولكن حلاوي لم يسمعني بل قال أين الكلسات. أنا مع الرئيس، ثم وقعت أسناني، لا ليس في نفس الليلة، بل بعدها بأعوام، نعم طبعا وضعت وجبة أسنان، وكنت اذهب إلى طبيب الأسنان وعيادته قرب المسجد، لا لا لم ادخل المسجد بعد، نعم الطبيب لا يزال حيا ويمكنه الإدلاء بشهادته، نعم، كنت اذهب إلى هناك فكان يشاهدني حلاوي ويقول لي أنا مع الرئيس، لا لم يكن ينظم السير بعد لان الشرطة عادت إلى الشوارع .
كل مرة اذهب إلى طبيب الأسنان كان حلاوي يقول لي أنا مع الرئيس، وأحيانا يسألني عن مصير الكلسات، نعم مرة اشتريت له كلسات، فلبسها في الشارع، ونظر إلى وسألني أين الكلسات؟ لا لم يمزح، طبعا كان جادا لأنه ضربني حين قلت له انه يرتديها. ضربني نعم على صدري وقال لي أنا مع الرئيس، طبعا أنا كنت افصل وجبة الأسنان واذهب إلى الحلاق مرة في الأسبوع لأصبغ شعري، وكان حلاوي لا يصبغ شعره وأصبح كل رأسه شيبة، إلا أن ذلك لم يمنع الفتية في المنطقة من شتمه ورميه بالقاذورات، لا لم يصبح إسلاميا متطرفا، لا ليس لأنه يدعى محمد، نصف أطفال منطقتنا يدعون محمد، لماذا؟ لان احد الرجال في حينا اشتبك على تسمية مولوده الجديد مع زوجته كانت تريد تسميته فادي، وهو يريد تسميته محمد على اسم والده، إلى أن قال له أبو بكري الجزار انه شاهد النبي الصلاة والسلام على اسمه في حلمه، وقال له أبو بكري أن تأويل الحلم هو أن يدعوا الناس أطفالهم في الحي باسم النبي، فأصبح نصف الأطفال يدعون محمد والنصف الباقي محمود واحمد ومصطفى إلى ما هنالك، نعم هذا حقيقة، لم يلقوا القاذورات على حلاوي بسبب اسمه لا أبدا، أنا اشهد، اقصد اعترف، لا كانوا يرمونها على سبيل التسلية وتجزية الوقت وليسمعوا ما في جعبة حلاوي من شتائم.
هل كان يكفر؟ نعم. حين يلقون القاذورات عليه كان يكفر ويشتم عاليا، كيف اعرف؟ كان صوته يصل إلى داخل منزلي، لا أنا لا اهلوس، أنا اسمع صوته من المسجد إلى المنزل، ولكنه شخص طيب القلب، نعم لا يتحدث ابدآ، ليس لأنه هرم جدا، لا، ولكن هو بطبيعته شخص طيب، وكان يعطيني أحيانا من الحلويات التي يأخذها من الدكاكين في المنطقة، ثم كان يقول دائما أنا مع الرئيس .
وعدت لأراه حين نظمنا مأتم الرئيس الراحل، لا ليس الرئيس الحالي براحل، سيبقى بعد طبعا، ولكن اعني حين نظمنا مأتم للرئيس الذي مات، نعم كنت أمر بالقرب من حلاوي، وكان يقول لي أنا مع الرئيس، في ذكرى مرور أسبوع مررت بالقرب من حلاوي وأنا عائد من عزاء الرئيس فقال لي حلاوي أنا مع الرئيس، فأخبرته بان الرئيس قد مات، فقال لي عندما يقوم أنا مع الرئيس، لا لم يكن يقصد الإساءة ولكنه عنيد جدا ويصر على البقاء مع الرئيس، وحين قال اسمي لأنه كان يعرف اسمي، فبعد موت أخوته كان لا يعرف اسم احد غيري، كنت أمر واقف قربه بضعة ساعات في اليوم، هو كان يقول أنا مع الرئيس وأنا كنت أقول أعطونا لنأكل، وأصبحنا شركاء .
نعم أنا أؤكد لكم أنني لا اعرف أنا مع من ، واعرف أن حلاوي يعرف انه مع الرئيس كل الوقت، كيف مات الرئيس، لا اعرف لكن محمد حلاوة ينتظرهم ليقيمونه ويبقى هو معه، نعم مستعد للتوقيع على هذه المقالة ، ولكن الأفضل أن ابصم بصما .