شرفة الخيانة
نجاة الحجري
[email protected]
كان
واقفا منتشيا بعليل النصر ، ممتلئا بكبرياء المجد ، على شرفة قصره العالي جدا ، حين
اقترب منه ظل أسود يزحف ببطء على الجدار
.
هرب
الانتشاء ، وتعثرت الكبرياء للحظةِ خوف ، التَفتَ فيها إلى صاحب الظل المثقل خلفه
.
سمع
همهمات ، ولم ير شيئا ، كان صوتا أنثويا
.
ثم
صاح به الصوت
:
ــ
أما زلت حيا ؟ ألم تعدمك عدالة الأرض ؟ ألم يشنقك إلحاح الضمير ؟ ألم تمت ؟
ــ
من أنتِ ؟
ــ
ألم تعرفني
!
هل
نسيت ؟
ابتسم ابتسامته الوقحة ، الخبيثة المعتادة ، كأنما يستحضر مشاهد لذة ما ، استلبها
من الحياة عنوة.
ــ
أنتِ !
اشتقتِ إلى
...
ــ
مذ سلبتَني نفسي ؛ أظلمتْ حياتي ، وصرتُ أستجدي النور في كل من يمر ، فأجدُ نفسي
نهاية في أحضانه
.
أيها الخائن لقد مومستني
!
ــ
كنتُ متعبا ، مثقلا بأعباء الحياة ، هاربا من نفسي ، ومن ضياعي ، وخوفي ؛ فأردتُ أن
أنسى أني موجود ، وأشتعل بفكرة أخرى
.
فكنتِ أعظم فكرة خطرت لي ؛ أشعلتِ فيَّ الحياة ، فأحرقتِ كل الأعباء
.
كنتِ فاتنة ، ماهرة في إرواء الظمأى
.
كنتِ ...
ــ
اخرس !
لقد
تعارفنا منذ زمن طويل ، لم تكن ككل الرجال الذين عرفتُهم
.
لقد
عرفتُك في كل أحوالك تقريبا ، كنت كالراهب الكاره لملذات الدنيا كلها ؛ حتى أني كنت
أتعرى أمامك ، فلم تكن تلتفت إليّ ، ولم أكن ألمح منك حتى أنك تدافع نفسك عني
.
كانت عيناك تائهتين عن كوننا كله
.
كيف
؟ بل لماذا ؟
ــ
وهل كنت ستأمنينني ، إن لم أكن أمينا فعلا ؟ كان لا بأس باستعارةِ وجهٍ بارد
الملامح تعتكر تحته الرغبات باستعار ، وبحرية حتى لا أنفجر
.
كان
لا بأس بصبر ، قد يبيحكِ لي نهاية ، ثم يبيحك لي مرات ومرات ، دون أن تقوي أن تنطقي
بكلمة ؛ لأنك تعرفين أن الجميع مؤمن بي
مثلك تماما ، بل أكثر
.
فأنا شخص تقوم المجالس كلها لحضوره اسما ، فكيف بي بشرا سويا
!
ثم
ما كان عليك أن تختبري الرجل في تعَرِّيك أمامه
.
أسلوب أحمق
!
ــ
أيها الخائن الحقير الوقح المتبجح
!
ــ
ومع عجزكِ عن إدانتي ، كنت ستخضعين ، وكنتِ تخضعين ؛ فأتمتع بامتزاج الضعف في عجزك
، بالقوة في رفضك
.
آآآآآآآآآه ، كم كنت ثائرة
!
لكني لا أنكر أني كنت خائفا أول تجربة ؛ فقد كنتِ عاتية جدا ، وكدتِ تنسلين من بين
يدي .
لكنما سيطرتي منحتني ثقة ، وجرأة ، ومنحَتْكِ انكسارا بعد انكسار
.
اشتعلتْ غضبا ؛ فرماها الغضب في واقع من لحم ودم ، يراه أمامه
:
امرأة عليها مسحة من البهاء تفوق الجمال ، لكنه بهاء مجروح الكبرياء
.
اندفعت نحوه ، حاملة سكينا ، لمعانها يقطع خيوط الضوء المتسربة منها إلى العين
.
لكنه دفعها بشدة حتى طارت السكين بعيدا ، وخبت في ركن مظلم ما
.
ــ
أيتها المجنونة الدنسة ، كيف تجرئين ؟
ــ
أنا دنسة ، أنا ؟
ــ
نعم أنتِ ، وإن كنتِ تتحرقين شوقا للقاء حميم آخر ؛ فغدا نلتقي
.
أما
اليوم فهناك من تنتظرني بذكرى زفافنا ، ستكرهني إن علمت أني
...
بهذا اليوم تحديدا
.
لكن
....
لا
بأس بلحظات ثائرة معك الآن
.
ــ
خائن حقير ، حقير ، ستكون لحظاتك معي ثائرة ، بلا ريب
!
اندفعت إليه تحملها ملائكة العذاب ، حتى حاصرته على الشرفة المتعالية ، وأمسكت به
في ثورة الانتقام ، ألقته من فوق الشرفة ، متشبثا بها ؛ حتى نزع في رجفة الموت
بطاقة هويتها
.
دفعته بعيدا عنها ، ليصل إلى الأرض منشطرا شطرين ، ووقعت البطاقة بينهما ، غارقة في
الدماء .
صحا
مفزوعا ، مقطوع الأنفاس ، ينظر إلى نفسه كالممسوس ، وإلى المكان ، ما زال بغرفته ،
على سريره الوثير ، على خطوات من الشرفة العالية
.
كل
شيء على ما يرام ، كان حلما مزعجا ككل الحاسدين ، يحاول النيل من مجده ، ليس إلا
.
لكنه بدا يعرف كل الحقيقة ، خلاف كل الحاسدين
!
تفل
عن يساره ثلاث مرات ، واستعاذ من شر ما رأى ، وما لم ير ، ثم قرأ أدعية النوم ،
وبسمل ؛ فقد كان معنيا بالثقافة العربية الإسلامية ، والموروث الاجتماعي المقدس
.
عاد
لوسادته ، كان عليها لطخات من الدم ، يبدو أنه جُرح قبل أن ينام ، ولم ينتبه
!
قلب
الوسادة إلى الوجه الآخر، فإذا
ببطاقة غارقة في الدم ، مكتوب عليها
:
الاسم الثلاثي
:
شرف
المهنة المزعوم
!