الأيّامُ الحُلْوَةُ
الأيّامُ الحُلْوَةُ
مصطفى حمزة
كانتْ أمّي الأمّيّةُ تُنتجُ بيديها في البيت ما تطرحُهُ مصانعُ بعُمّالِِها !
تصنعُ من العجين الشُّـعيْريّة ؛ تفتلها شُعَيْرَةً شُعَيْرَةً !
وتصنعُ المُرَبّات من العنبِ ، والمشمشِ ، والكرزِ والخوخ .
ومن اللبنِ الكشكَ . ومن القَريشـةِ السّـوركة . وتُنقّي كٌلّ أنواعِ الحُبوب .
وتصنعُ الزّعترَ الفاخرَ .
وتُحلّي الزيتونَ والعَطّونَ .
وتَحْفِرُ أكوامَ البانجانِ واليقطينِ وتُجفّفها في الشمس ، إلى جانبِ الرّمان .
وتستخرجُ ماءَ الورْدِ من زهرِ الليمون .
وكانتْ تُعدّ كلَّ أنواعِ المآكلِ والحلوى المعروفة في البلد .
وكانت تغسل ملابسَنا بيديْها في حوضِ الماء والبوتاس ؛ حتى لَيَخرجُ من كفّيْها الدمُ !
ثمّ لم تكُن تنسى الفُلّةَ البيضاء المُكبّسة ؛ تضعها على صدْرِ فُستانِها النظيف لتسـتقبلَ أبي لدى عودته من عملهِ ظُهراً .
.....................
انتزعني من هذه الذكرياتِ العَذْبةِ صوتُها الراعِدُ المُرعِبُ :
- قُمِ اتّصِلْ بهذا المطعمِ الـ ... ما هذه الحال ؟! كُلَّ يومٍ ، كلّ يوم .. تتأخّرُ وجبةُ الغَداء !!