الرجل الذي لوّن رأسه
"قصة للأطفال والكبار"
ربحان رمضان
كاتب وناشط سياسي
رجل له رأس واحد ولكن كل يوم بلون ..
أحيانا ً يعلوه شعر أبيض يدل على كهولته ، فيضفي على شــخصيته هيبة ووقار ، وحينا ً يعلوه شعر أسود يدل على أنه قادم من بلاد الشرق رغم أنه يتهرب من الشرق وأهل الشرق حتى أنه ترك بيته الواسع والرخيص وسكن بين نمساويين فقط لأن جيرانه شرقيين مثله ..
وأحيانا ً تجد رأسه الصغير يعلوه شعر أحمر يقول أنه اقتداءً و عملا بسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) مما يدل على مسلكية دينية متأصلة فيه ..
وأحيانا ً أخرى ترى شعره أشقر مما يدل على نفسية العبد الذي يجاري سيده صاحب البلاد .
"بالمشرمحي" يحب التغيير لذلك يدّعي بأنه سيغير العالم ولكن من خارج إطار الكرة الأرضية .
يقول أنه سيفتح المجال لكل أمراض الزمن الحاضر في سبيل هدف واحد هو إمكانية التحكم بالشعب الذي انحدر منه ذلك الانحدار الشديد بشهادة جاره غونتر الذي يبلغه السلام بواسطة الماسينجر عبر الانترنت .
زوجته "قرّفته عيشته " فكلبتها أصبحت مسنة .. لقد تجاوزت الخمسة عشر عام ، ومن الضروري مراقبة صحته ، وعيادة الطبيب البيطري باستمرار .
منذ شهرين فقط وفي ليلة باردة لم تنم لا هي ولا كلبتها ، لأن الكلبة لديها مرض عضال في معدتها .. فقد رأت دما ً مختلطا ً في برازها مما يستوجب استدعاء الطبيب البيطري فورا ً، لكنها لما اتصلت بطبيب كلبتها الخاص هدّئ من روعها ونصحها بالانتظار حتى الصباح ، فربما يخف الألم ..
وباعتبار أن زوجته تذهب لعملها مبكرة ، ذلك قبل أن تفتح الممرضة باب العيادة لإستقبال المرضى من الحيوانات فقد اتصلت بزوجها على عمله في المطعم الذي يعمل فيه ورجته أن يذهب إلى البيت ويصطحب " جيسي " إلى الطبيب ..
لكن المسكين ولأنه دهب دون إذن من صاحب المطعم فقط طرده طردا ً تعسفيا ً ، قهو وفي كل الأحوال يعمل لدى شرقي مثله ، دون إجازة من مكتب العمل التابع لوزارة الأشغال .. !!
حزن الرجل الملوّن الرأس كثيرا ً .. قرر أن يعوّض نقصه ، أن يطفو اسمه إلى السطح .. كتب اسمه على خشبة ، خشبة كبيرة تشبه لوحة الإعلانات ، أو اللوحات التي تتصدر الساحات العامة في بلده (الأصل) وعليها صور الرئيس .. ورماها في النهر المتفرع من نهر الدانوب العظيم .
طافت الخشبة فعلقت مع مجموعة أخشاب أخرى في زاوية اعوجاج النهر قرب مبنى كان قد بناه "هتلر" للمجاذيب ..
ولم يأخذها النهر في جريانه .. !!
لما ماتت "جيسي" أرسلت زوجته دعوى لأختها المقيمة في أقصى شمال المدينة لحضور الجنازة .. كانت جنازة مهيبة ..
كان الملون الرأس في قرارة نفسه فرحا ً ، ولكن لم يجرأ على البوح بسرّه ..
تخلص من عدو تظاهر بحبه له ورعايته طيلة السنين التي عاشها مع زوجته ، لكن زوجته ودعته هو الآخر على باب مقبرة الكلاب بعد موت " جيسي " لأنها لم تعد بحاجة لمن يرعى كلاب بعدها .
صحى من النوم فوجد صورته في المرآة هي ذاتها دون تغيير ..!! فامتعض وتغير لونه فصاح : هل أنا هو ؟؟.. هل أنا هو ؟؟
جاوبه صوت من داخل نفسه : هو أنت ، ومازلت ، ولن تستطيع تغيير ماوجدت عليه .
حزن كثيرا ً خرج إلى الشارع ، كتب على جدار مدرسة حضانة للأطفال : أنا لست أنا .. أنا لست أنا ..
تحلق أطفال حوله ، ضحكوا .. أحدهم نقفه بحصاة ..آخر رطض حوله ..
ثالث صاح : هو ليس هو .. هو ليس هو .. كل يوم بلون .