وتمضي الأيام .. قصة قصيرة

فى المساء

-         أبوك بيشغل إيه يالا  ؟

-         عنده سوبر ماركت

-         وبيبيع إيه فى السوبر ماركت  يا روح أمك ؟

-         السوبر ماركت بيتباع في إيه يا باشا  ؟!

-         انهال الضابط علي  وجهى بصفعة أحدثت دوياً أفقدنى القدرة على النطق ، وتبعه أمين الشرطة الواقف بجواره  بلكمة فى صدري ثم قال بحزم مهددا : رد على الباشا عدل يابن الكلب يا .... وبسرعة وضع أحد العساكر يده فى جيبي أخرج الحافظة وبها البطاقة وكارنيه الكلية وبعض النقود  .. تفحص الضابط الكارنيه .. إنت فى الجامعة الأمريكية يالا ؟! ثم أردف : أبوك بيجيب الفلوس منين يالا عشان يدخلك الجامعة الأمريكية  ؟ وبالنيابة عنه أجاب أمين الشرطة .. تلاقي أبوه بيبع مخدرات يا باشا  !

-          أشار الضابط لبعض العساكر خدوه ارموه تحت .. كأن الزمان توقف .. لا أذكر ماذا حدث تحت .. أفقت وأنا فى مكتب الضابط .. كانت الكاميرات المعلقة فى سقف الغرفة تُصوّر .. تحدث الضابط بلهجة متودّدة : ساعدنى عشان أساعدك !

فى الصباح 

اللهم اغفر لها وارحمها ..  وعافها واعف عنها..  و أكرم نزلها ووسع مدخلها..  ونقّها من خطاياها كما يُنقي الثوب الأبيض من الدنس ..  اللهم اجعل قبرها روضه من رياض الجنة ..  اللهم اجعل هذه الليلة أسعد لياليها ..  اللهم اغفر لها ..

كنتُ أردد الدعاء .. بينما أنظر لأصيص الصبّار الموضوع عن يمين القبر .. رائحة الموت تلف المكان .. تكاد الرؤوس تحترق من شدة الحرارة .. الزحام المهيب أمام القبر يبعث على الاختناق .. كان أحدهم يبكى بكاء مريرا .. بينما الهمس يدور حول سبب الوفاة .. بصعوبة اخترقت الحشود .. لوّحت للتوك توك القادم من بعيد .. اعتذر لأن معه " زبون " ! كانت امرأة .. قالت له : هاته معانا .. ركبت مسرعا .. انطلقنا .. وصلت المنزل .. تمددت فوق السرير .. ولا زالت أصوات صراخ النسوة ترن فى أذناى .. ولا زالت ملابسهن السوداء تشيع فى نفسي شئ من الارتياع ..

فى المساء

-         شوفتى الولية قالت إيه ؟ 

-         أنا كنت ماسكة نفسي عشان خاطرك

-         ابنى اللى عمل فينا كده  وراح مضي على القايمة من غير ما يقوللى

-         أنا مش مرتاحة للجوازة  دي من الأول  ! 

-         أنا هتصل بيها  و أقول  لها إن  أنا ساكتة عشان ابنى ما يزعلش  !

كنت أستمع للحوار .. وأضحك 

فى الصباح

" ارفع إيدك فوق .. لو متضايق هتروق " هذا ما أذكره من أغنية المهرجان التى شغلها الجيران كثيرا بالأمس احتفالا بليلة الحنة .. عقب استيقاظي  بدقائق .. كان صدي الصراخ  يرج الشارع .. يالهوي ! يا لهوي ! الحقونى .. ! نزلت مفزوعا  لأعرف ما يحدث .. كانت السنج والسيوف مُشهرة وكأنها إحدي الحروب الرومانية القديمة ! سألت عن السبب ، همس أحدهم فى أذنى : سعيد سرق فلاشة وشريط  ترامادول من عمرو !

فى المساء

جارتي السبيعينة العجوز تفتح باب شقتها للتخفيف من حرارة الجو .. وجدتها تجلس فى الصالة  وتنصت باهتمام .. كان توفيق عكاشة  يتحدث عن الطابور الخامس وحروب الجيل الرابع  .. مساء الخير يا حاجة .. مساء النور يابنى .. تعالى .. أنا عاملة عصير مانجة ، استنى خد شوية .. ألف شكر ، ماليش نفس يا حاجة .. خد يابنى عيب أنا زي والدتك متكسفنيش .. انتظرت عصير المانجو وشاهدت توفيق عكاشة !

فى الصباح

عبدالحليم  حافظ ينبعث صوته " قد ما عمرى يطول يا حبيبي قد ما عمرى يطول .. هستناك على طول يا حبيبي هستناك على طول ..ليلي نهاري بقول يا حبيبي  ليلي نهاري بقول ..  ياللى محدش قالك ع الشوق اللى أنا فيه بكرة الشوق يوصلك وتجرب لياليه   ... " نظر الأب شذرا إلى ابنته الواقفة فى البلكونة وقال بنبرة يملؤها الغيظ والغضب : ادخلى يابنت الكلب واطفى الزفت ده .. أسرعت الفتاة إلى الداخل ونزعت فيشة الكمبيوتر وألقتها بضجر .. وهرعت إليها أمها التى تناهى لسمعها صوت زوجها .. قالت الأم بشئ من المواساة : معلش يابنتى .. هو كده طول عمره .. منكد عليا ! عمره ما قاللى كلمة حلوة زي بقية الرجالة .. دقائق وصعد الأب .. واجهته الأم بالهجوم المباغت : بقى يا راجل مكنتش عارف تدخل وفى ايدك كيس فاكهة أو حاجة تفرحنا بيها ؟!

فى المساء

ما آراه فى المنام أبشع من الكوابيس .. أصحو وكأنى خارج من الجحيم .. صرت أخشي النوم .. بين الحين والآخر يأتى الكابوس بذكريات الطفولة  سرعان ما تنتهى إلى فضاء من الظلام والنار !

فى الصباح

جلست فى البنك لمساعدة جاري العجوز الذى يصرف المعاش .. كانت تُحدّق فى .. استغربت من نظراتها القوية .. قالت لى : انت شبه واحد أعرفه .. قلت باستغراب : لى الشرف يا فندم .. قالت بنبرة يائسة : الله يرحمه !

فى المساء

 

هل كانت ولادة بنت المستكفى تستحق النونية التى كتبها عنها ابن زيدون ؟

فى الصباح

جاءنى صوتها حزينا ومختنقا فيما يُشبه الكشف .. وفيما جعلنى اقترب من عناق الطيف :  لماذا انقطعت عن زيارتى .. ألا تعلم أنى فى حاجة إليك ؟

تمت

وسوم: العدد 629