القطار اللعين

حرارة شمس الأصيل قاسية نوعا ، ويمدها قسوة وجودهم في مزرعة بامية سرى اليباس في أعوادها ، وتضيف لسعات أشواكها الزغبية الدقيقة  إلى حالهم نغصا وإزعاجا  . جاؤوا المكان للأصيل الثالث . لم يمر هدفهم الذي يترصدونه في اليومين السابقين  : القطار القادم من سيناء ينوء بالدبابات المصرية التي غنمتها إسرائيل في حرب 5  يونيو 1967، والجيب الذي يرافق القطار مع طريق السيارات الموازي لسكته . يمر القطار دون انتظام ، ولعل عدم انتظامه تخطيط أمني حتى لا يستهدفه أحد . حمولته من كنز الغنائم  من الدبابات الجديدة راعت العيون ولاعت القلوب ، ومروره المتقطع يذكر بنار الهزيمة الكبيرة . المذكرات كثيرة : مظاهر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بكل بشاعاتها ومهاناتها . مرور القطار في صحبة الجيب الحارس تذكير لحرقته طعم خاص يقول معربدا مغترا : هاهي دبابات أكبر جيش عربي ، جيش الجمهورية العربية المتحدة ، جيش عبد الناصر بطلكم القومي ، غنيمة أسيرة في سبيلها إلى مخازن الجيش الإسرائيلي ! ها هو سيفكم  في يدنا ! كنتم تريدون قتلنا به ، وها هو في يدنا ! وها أنتم جثة ! اتفق الثلاثة على فعل شيء ضد القطار اللعين . فكروا في وضع لغم على طريقه ، وبحثوا فلم يجدوا لغما . وفي الأخير قرروا إطلاق النار على الجيب . أي إزعاج للعدو مقبول . تذكير له بأننا لسنا جثة . وفاجأهم صوت القطار في الجنوب ، فدقت القلوب قلبا  واحدا . وفطن سلمان إلى سرحان في وجه عبد الكريم ، فاستنتج فيما يسرح ويفكر . قدر أنه يفكر  في الآصال والأماسي التي  اعتاد أن ينتظر فيها قطارا آخر يأتي من القاهرة ؛ في محطة المدينة لشراء الصحف التي يجلبها ذلك القطار الحبيب . الآن ينتظر قطارا لعينا لم يتخيله في أرعب  الكوابيس . لشد ما انقلبت الدنيا ! هدير القطار العدو يقترب ، ومعه تحتدم دقات ثلاثة قلوب قلبا واحدا . ومن خلال السياج السلكي الشائك العالي  لمحوا القطار والجيب ، فتحفزوا وتأهبوا . يقترب القطار والجيب . انطلق الرصاص من ثلاث بنادق ، واضطرب الجيب ، وانحرف إلى الرصيف الترابي ، وبدا أنه يميل على جانبه ، لكنه استقام وعاد إلى الأسفلت ، وأسرع  هاربا . وبعد دقائق توالت  جهتهم صلية رصاص ، تلتها صليتان بينهما عدة دقائق . كانوا عندئذ في الجهة الغربية من مزرعة البامية في بعد آمن من الأسفلت ، يفتحون لبعضهم بالدور فسحة بين أسلاك  السياج الضيقة المشدودة بقوة للنفاذ منها إلى بيارة برتقال جنوبي البامية .

جلسوا على حواف أحواض الري في البيارة  يلتقطون أنفاسهم بين رائحة أوراق البرتقال العطرية الحادة . قال عبد الله أكبر الثلاثة سنا _ وكان جنديا سابقا في جيش التحرير الفلسطيني _  : أعتقد أننا أصبنا بعض جنود الجيب .

فقال عبد الكريم : أفزعناهم على كل . الرصاصة التي لا تصيب تفزع .

وتفاءل سلمان بما فعلوه ، فقال : منها لأجرأ منها إن شاء الله . لن نتركهم يأخذون سلاحنا غنيمة وهم آمنون . عيب علينا .

وسوم: العدد 631