وانكسرت اللوحة !

أسفلت متفرع يغور مشرقا بين الكروم والمزارع حيث تتناثر البيوت متباعدة على جانبيه . كل عائلة ساكنة في كرمها . أتذكره قبل أن يرصف . الجزء الذي أتمشى فيه الآن ذاهبا آيبا ؛ على جانبه القبلي أشجار زيتون تخالطها

نخلات . الجانب الشمالي تغطيه دفيئات تلوح من وراء دثارها البلاستيكي الأبيض نباتات البندورة تتسلق الخيوط

المشدودة إلى الأعمدة المعدنية . فيما سلف ، كانت أشجار اللوز تكسو الجانبين ، ويفصل كل جانب عن الطريق سياج صبر . أتذكر روائح نوار اللوز . كانت الريح تفرش الطريق بالنوار الأبيض . السياجان أزيلا عند توسعة

الطريق ورصفه ، وحل مكانهما أسلاك شائكة . لبثت شجرات لوز  في الجهة القبلية تذكارا لما كان . بي حنين إلى ما كان . هأنذا أتمشى ذاهبا آيبا وأتذكر ما كان . سيارات أجرة تمر بين حين وآخر . وبين حين وآخر تمر عربة يجرها بغل أو حصان أو حمار . في العربات رجال ونساء وأولاد وبنات . كل في عربته الخاصة . السحب تبشر بالمطر . المشهد ساحر . مغرب نوفمبر  . لوحة بديعة للطبيعة . لوحة شتوية . كثر يجوزونها دون انتباه أو

تأثر . ليس كل الناس فنانين أوشعراء . هل حب الطبيعة موقوف على الفنانين والشعراء ؟ كَثُفت اللوحة جمالا !

سقطت عيني على دِجَة سوداء لابدة في عمق زيتونة تلامس السياج القبلي . منقار الدجة في إشراقة صفار

قشرة البرتقالة . سكنتُ أتأملها . أتهيب أن تلمحني فتفر . برزت من جهة الأسفلت الغربية عربة تدق حوافر حصانها ويدندن جرسه . كبر خوفي . ستفر الدجة لا محالة . أعرف طيور الدج حذرة حساسة لأخفت صوت

وأخفى حركة . ما لهذه الدجة ساكنة قارة ؟ لعلها تستلذ دفء ملبدها في متلاحم الأغصان . لعلها آلفة لهذه الشجرة

، تبيت فيها كل ليلة ؛ فاعتادت الناس والأصوات والحركات في الطريق . لم أتمشَ في الطريق من أسابيع .

تابعت خطوي . عدت بعد دقائق . فجأني طائر دج آخر استقر في الزيتونة على مسافة يسيرة من الدجة الأولى .

الطائر الجديد سكني اللون . أيهما الذكر وأيهما الأنثى ؟ وقفت أرقب المنظر . الليل يعم رقيقا . لا أريد مفارقة

المكان . لا أريد مفارقة المتعة الجياشة . ليت لي ريشة رسامي الطبيعة فأرسم هذه اللوحة . حتى رسامو الطبيعة

الموهوبون انقرضوا . رسم مشاهد الطبيعة ما عاد فنا في عين رسامي هذا الزمان . دهم سمعي قعقعة وضجيج على الطريق الذي ينفرع منه الأسفلت ! إنه ثنائي الخراب والبشاعة والخوف : الجرافة والدبابة . كالمألوف ؛

أشاعت الدبابة الرصاص في ثلاث موجات متقطعة . زعق الطائران وفرا . انغرسا في عتمة مستهل الليل . رميت نفسي في دفيئة . انتظرت مرور ثنائي الخوف . خرجت مسرعا . لو رآني شخص في الدفيئة لاتهمني

_ ربما _ بسرقة البندورة . نظرت إلى الزيتونة .رف في قلبي حزن على انكسار اللوحة ، وعطفت على الطائرين الهاربين . ينعت توماس هاردي الروائي والشاعر الإنجليزي طائر الدج بالكبرياء . أيعود طائرا الدج

إلى مهجعهما في الزيتونة بعد يسير وقت ؟ من تجسيد الكبرياء أن يصر الكائن على المآب إلى موطنه .

وسوم: 639