كيف تصنع ب"لا إله إلا الله" يوم القيامة؟
قال المقداد بن الأسود رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم :
يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار، فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تقتله)).
فتعجب المقداد فهماً لا استنكاراً، إذ لم يَعِ ماهية قتال المسلمين الكفار، وأن القتال لرفع راية الإسلام خفّاقةً عالية، تحكم الدنيا فتقيمُ العدل وتنصف الناس وتهديهم إلى صراط مستقيم، فليس القتال للأخذ بالثأر ولا لتقديم قوم على قوم بحدّ السيف، وقوة الساعد.
فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، قطع إِحدى يديّ ثم نطق بالشهادة بعدما قطعها؟!
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تقتله، فإن قتلتَه فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)).
وجلس المقداد ساكناً لا ينبِس ببنت شفة، وكان عقله يضرب أخماساً بأسداس، يقلب الفكرة على وجوهها، فإن الرجل حين ينطق بشهادة الإسلام، صار معصوم الدم، لا يجوز إهداره، مسلماً يحرم قتله، وجاز لورثته أن يقاضوه فيطالبوا بدمه، بل إن المقداد يأثم إذا قتله بعد إسلامه، ولكنه قد ينطق بالشهادة خوفاً على نفسه فهو مؤمن ظاهراً، كافر باطناً، لكن الإسلام يأمرنا أن نأخذ بالظاهر، والله يتولى السرائر، ولعلك حين تكون بيد واحدة يسهل عليه قتلك، فهو أقدر عليك بيد واحدة منك بيدين، ومع ذلك أعلن إسلامه، فوجب عليك الكفّ عنه،يا سبحان الله، اللهم اجعل جهادي في سبيلك وحدك، وأبعد حظوظ النفس عن النوايا الخالصة، يارب ..
وحدث ما لم يكن في الحسبان، فقد كان أسامة بن زيد في سرية أرسلها الرسول الكريم إلى مكان يدعى "الحُرْقةَ" لقبيلة جهينة التي أعلنت عداوتها للإسلام ونبيِّه وجندِه، فصبّح المسلمون القوم، وجرى قتال تشيب لهوله الولدان، كان أحد المشركين إذا قصد مسلماً قتله، وانطلق إلى مسلم آخر حتى أوجع في المسلمين، فتصدى له أسامة ورجل من الأنصار، فلما رأى أنه مقتول لا محالة شهد بكلمة التوحيد، فكفّ عنه الأنصاري، وطعنه أسامة بسيفه حتى قضى عليه.
وجاء البشير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر المسلمين وخذلان الكافرين، وحدثه عن سير المعركة وقتلى المسلمين وبلاء المجاهدين، وذكر له قصة مقتل الرجل بيد أسامة بعد نطقه بالشهادة، فلما أقبلت السرية دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن ستة عشر ربيعاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مؤنباً:
((أقال لا إله إلا الله وقتلته؟))
قال أسامة: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ((أفلا شققت على قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!)).
قال أسامة: يا رسول الله أوجع في المسلمين وقتل فلاناً وفلاناً، وسمَّى له نفراً وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ((فكيف تصنع ب"لا إله إلا اله" يوم القيامة؟ كيف تصنع بـ"لا إله إلا الله" إذا جاءت يوم القيامة؟!)).
قال أسامة: يا رسول الله! استغفر لي.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ((وكيف تصنع بـ"لا إله إلا الله" إذا جاءت يوم القيامة؟!)).
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر هذه الجملة، ولا يزيد عليها، استعظاماً لما فعله أسامة.
قال أسامة والموقف أمامه جليل، والخطأ الذي ارتكبه جسيم: تمنيت والله أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم، وخفت أن يكون قد حبط عملي.
لا إله إلا الله: ما وُزِنت بشيء إلا رجَحَته.
لا إله إلا الله: نورُ السماوات والأرض.
لا إله إلا الله: توحيدُ الذي فطرَ الكون وبرأه.
فويل للذين يحاربون "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".
وويل للذين يقتلون رجلا أن يقول: ربي الله.
( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) ) [سورة البروج]
رياض الصالحين
باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين
وسوم: 641