عبدالرحمن الكواكبي
جلست صغيرتي بالقرب مني وفي عينيها البنيتين كلام وفضول أدبي .. وجدتني مشغولة بهاتفي النقال ورسائله التي لا نهاية لها .. شعرت بها تتململ في جلستها .. فابتسمت من داخلي وأغلقت النقال .. ولما أغلق النقال بادرتني قائلة :
ـ ماما .. ألا يوجد بطل من حلب غير سليمان الحلبي ؟
نظرت إليها بسعادة لأن سيرة العظماء جذبتها وصارت ترغب في معرفة المزيد .. قلت لها :
ـ يا قلبي ... التاريخ مليء بالعظماء من بلدي ومن بلاد الإسلام كلها ..
قالت :
ـ إذن حدّثيني عن واحد منهم ..
قلت لها :
ـ سأحدثك اليوم عن شخصية عملاقة في الأدب والفلسفة والفكر والجهاد كذلك .. وهو السيد عبدالرحمن الكواكبي ..
ولد هذا المفكر في مدينة حلب عام 1855م من أسرة عريقة ، فوالداه ينتسبان إلى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، ووالده شخصية مرموقة في مدينة حلب ، كما أن والدته السيدة عفيفة هي بنت مفتي أنطاكية ، وكانت مدينة حلب تزدهر بالعلم والعلماء فدرس فيها الشريعة والأدب وعلوم الطبيعة والرياضة في المدرسة الكواكبية التي تتبع منهج الشريعة في علومها وكان والده رحمه الله يدرس فيها كذلك ..
وعمل في جريدة (الفرات) التي كانت تصدر في حلب وكانت مقالاته ساخنة ضد الحكام الأتراك المنتسبين إلى جمعية الاتحاد والترقي ، وكانوا يحكمون باسم العثمانيين الذين كانوا يحكمون سوريا آنذاك وشعر أن عمله في تلك الجريدة الرسمية يحول بينه وبين العمل الجهادي فترك العمل فيها وأسس جريدة خاصة به أسماها (الشهباء) وكان قد سجلها باسم صديق له كي توافق السلطات الاتحادية الظالمة عليها ولكنها لم تستمر طويلاً بسبب جرأته ضد الحكومة العثمانية ، فأغلقت ، فقام بإصدار صحيفة أخرى باسم (الاعتدال) تحت اسم صديق له آخر ولم تستمر طويلاً لنفس السبب ..
وبعد إغلاق جريدتيه انكب على دراسة الحقوق وعُين لبراعته في الحقوق عضواً في لجنتي المالية والمعارف العمومية في حلب والأشغال العامة النافعة ثم عضواً فخرياً في لجنة امتحان المحامين للمدينة ، وارتقى في المناصب حتى عين رئيساً لبلدية حلب ، وأنجزت على يده الكثير من المشاريع المهمة المفيدة لحلب وما حولها ، ولكنه رآى أن العمل الحكومي سيعيق هدفه في الحياة وطموحه في التحرر من الاستبداد (العثماني) آنذاك فقرر أن يترك تلك الوظائف ويفتح مكتب محاماة في حي الفرافرة قرب منزله ليتمكن من الدفاع عن المظلومين ..
ولما ضاقت به الدنيا في حلب بسبب مضايقته للسلطة العثمانية ومضايقتهم له غادر سورية إلى الصين والهند ثم إلى مصر التي لم تكن تحت حكم العثمانيين حيث التف التلاميذ من الشباب المجاهد حوله وأيده المفكرون هناك وكان مصلحاً وداعياً كبيراً وله مؤلفات مهمة وهي : طبائع الاستبداد ، وأم القرى ، والعظمة لله ، وصحائف قريش .. وغيرها .
لكن السلطات العثمانية الاتحادية ضاقت به وقامت بملاحقته حتى قتلته بوضع السم في فنجان قهوته فمات مسموماً ونحسبه عند الله شهيداً وفي ليلة وفاته فقد مخطوطان من مخطوطاته وعدة أوراق مهمة له .. ودفن في القاهرة سنة 1902م .. رحمه الله رحمة واسعة ..
قالت صغيرتي بتأثر :
ـ لماذا يقتلون العلماء والمجاهدين ؟
قلت لها :
ـ لأن الظالم ضعيف في نفسه فيلجأ إلى العنف ليخبئ ضعفه فيبطش ويقتل ويتخلص من خيرة الناس .. فشهداؤنا في الجنة وأولئك الظالمون في النار ..