مياومون من نوع آخر
عبد السلام عبد الجليل
في عز الصيف وحرارته المفرطة وقيضه الوهاج، كنت وصديقي " حماد " نشمر سواعدنا الطرية ونعمل مساعدين في البناء... كان حر الشمس وشراسته يلفح قدمي المنتعلتين شبشبين باليين، و أنا أدفع بكل ما أوتيت من جهد وقوة النقالة المحملة بالرمل، قاطعا مسافة تحت وهج الشمس المحرقة... كنت أخال نفسي في محرقة : فمن فوقي أشعة قرص الشمس الملتهبة خصوصا في الهاجرة وهي تتوسط كبد السماء، و من على سطح اﻷرض المفروشة بحصيات مثل الجمر، لتنضاف إليها حرارة شبشبي البلاستكي... كنت أسبح في شواطئ عرقي الذي كان يتدفق كشلال أزود، مما كان يدفعني للهرع والهرولة في كل مرة إلى ثلاجتنا التقليدية، رفيقتنا ومحبوبتنا القلة لأطفئ بها عطشي وضمئي... لا أذكر في أي يوم مر علينا صديق الدراسة، " إبراهيم " وأخبرنا بأنه مسافر غذا إلى الدار البيضاء حيث يستقر أخواه...حين يستبد الشوق إلى السفر، كنت أقصد محطة الناقلات، و ألمس الناقلة الواحدة التي كانت تصل مع مشارف آذان المغرب، بيدي طلبا منها إبلاغ سلامي إلى المجهول... كنا ننتهي من العمل على الساعة الثالثة ومساء...أعود وصديقي إلى مكنينا المجاورين، وقد تحجرت ملابسي على جسدي... وآخذ حماما ساخنا دون استخدام الحطب... و في نهاية اﻷسبوع تأخذنا فرحة لا تقاوم، نأخذ شقاءنا وعرق جبيننا لندخره إلى الموسم الدراسي المقبل... يعود اﻷصدقاء من المخيماتالجبلية والشاطئية ومن المدن المغربية يحكون لنا مشاهداتهم ومغامراتهم و ما رأوه من معالم تاريخية و شواطئ ... كنا ننصت إليهم بشوق وشغف، مثل ما ننصت إلى رواد السينما، لعلنا نستمتع بحكيهم ولو في الخيال..... ذلك كان دأبنا طيلة مرحلة الإعدادي والثانوي. ومع ذلك نحن من الحامدين الشاكرين، ﻷن العمل شد عودنا وقوى عضلاتنا وعلمنا المثابرة والصبر والاعتماد على النفس.