هل كيري رجل ضعيف..؟
د. هاني العقاد
كيري وزير الخارجية الأمريكي الذي أوكل له البيت الأبيض ملف علمية السلام بالشرق الأوسط و إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين يعتبر الوزير رقم 68 الذي يتولى وزارة الخارجية الأمريكية بعد خليفته هيلاري كلينتون من خلال ترشيح مجلس الشيوخ الأمريكي له في يناير 2013 , وقد بدأ مساعيه لإطلاق المفاوضات بين الطرفين بعد توقفها فترة طويلة لأكثر من ثلاث سنوات بعد تسلمه مهامه الجديدة كوزير للخارجية الأمريكية و بالتالي رسم سياسة أمريكا الخارجية ودورها في الملفات الساخنة بالعالم وكان أولها ملف الصراع في منطقة الشرق الأوسط , نجح كيري قبل ثماني شهور تقريبا في إقناع أطراف النزاع بالعودة للمفاوضات بعد أن أغري الفلسطينيين بموافقة إسرائيلية وتعهد أمريكي بإطلاق الإسرائيلية 104 أسير فلسطيني من اسري ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو والذين يفترض أنهم أحرارا منذ أوسلو 1994 , لكن لأنها إسرائيل دولة العنصرية و انتهاك كل الحقوق الآدمية ودولة نقض المعاهدات فأنها أبقت هؤلاء الأسري في سجونها حتى العام 2014 .
جاء كيري بسقف زمني للمفاوضات دون أن يمهد الطريق لها ودون أن يضمن عناصر نجاحها و استمرارها ودون أن يحدد قضايا الصراع الرئيسية ولا جدولها الزمني ودون أن يحدد محددات الطموح الإسرائيلي واستخدم أسلوب تنسيق المواقف وتقريب وجهات النظر دون تدخل ايجابي بل انه في بعض الأحيان كان يفاوض الفلسطينيين ويتحدث عن الرؤى الإسرائيلية وأحيانا يترك الوفدين الفلسطينيين والإسرائيلي يلتقوا على طاولة المفاوضات دون ورقة تفاوض تدرج فيها قضية الحوار ودون أن يراعي دفع عجلة التفاوض لتتخطي مرحلة بناء الثقة ودون دفع هذه العملية للأمام حتى أيقن الفلسطينيين أن إسرائيل تتلكأ في تفاوضها بما يوحي أنها غير جادة للوصول إلى حل نهائي للسلام ,و أدرك الفلسطينيين أن كيري رجل ضعيف غير قادر على قول كلمة الحق أمام الطرف المتعدي والمغتصب للأرض ,والخطأ الأكبر لكيري انه ترك إسرائيل تمارس كل موبقات الاحتلال دون أن يقول لهم توقفوا و ترك إسرائيل تفاوض لتبقي في دائرة التفاوض فقط , فكانت إسرائيل تقتل وتهدم البيوت و تستوطن الأرض و تقصف بالطائرات ما تستهويه صواريخها و تعتقل و تحاصر المدن و تنشر مئات الحواجز على بوابات المدن بالضفة الغربية ,وتترك مستوطنيها يعتدوا على الفلسطينيين بالسلاح و يقطعوا ويقتلعوا أشجارهم و يخربوا مزروعاتهم ,وتحاصر غزة و تحولها لسجن كبير وتقنع العالم انه أصبح أرضا محررة .
لا يعقل أن يأتي لرجل للمنطقة حوالي 40 زيارة ويقضي عشرات الساعات بالتنقل بين تل أبيب و رام الله و عمان والرياض و حتى القاهرة التي تبدو اقل العواصم استقبالا لكيري , واعتقد انه قضي وقتا في المنطقة أكثر من قضاء وقته في وزارته أو حتى بيته وهذا إن دل على شيء فانه يدا على احدي الشيئين أما أن الرجل يعمل وإسرائيل تفشل كل ما يريد الوصول إليه وأصبح غير قادر على الضغط على إسرائيل وهذا ضعف في الموقف الأمريكي برمته تجاه الصراع و بالتالي فشلت أمريكا في رعاية المفاوضات والتدخل الايجابي والعادل الذي يجبر إسرائيل على التماشي مع متطلبات الحل النهائي حسب الشرائع والقرارات الدولية بما يضمن العيش الآمن والمستقر لشعوب المنطقة أو أن الرجل يعمل على دحرجة الطرفين لحل أمريكي يفرض على الطاولة ينقذ الموقف التفاوضي وينفذ بالقوة و هذا مستبعد إلى الآن , خاصة أن الدلائل تشير إلى أن أمريكا فشلت أو في طريقها للفشل التام في رعاية عملية السلام لوحدها لفقدانها قوة الضغط علي إسرائيل و عدم اعتماد مرجعيات دولية و مرجعيات وضعها العالم للحل الصراع و أرادت أن تجعل من نفسها المرجعية الوحيدة لهذه العملية و بالتالي فشلت في إجبار إسرائيل على العدول عن كافة مخططاتها التي ترمي إلى إفشال جهود أمريكا في صياغة وثيقة إطار سلمي تستند إلى هذه المرجعيات الدولية ومعاهدة السلام العربي .
لقد باتت عملية السلام بالشرق الأوسط كلها مهددة بالانهيار بسبب سياسة أمريكا العرجاء لأنها فتحت الطريق لإسرائيل لتتمادي في تطرفها وعنصريتها والتزمت الصمت أمام كل ممارساتها العنصرية ولم تشرك أحدا من المحاور الدولية والمركزية معها في رعاية المفاوضات وجاءت في النهاية لتبرر فشل إدارة اوباما بالقول على لسان كيري "أن ثمة حدود لما تستطيع أمريكا فعله لتقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين " ونحن نقول أن هناك ثمة حدود لقبول الانحياز الأمريكي لإسرائيل و ثمة حدود لبقاء الفلسطينيين في خندق الانتظار لتقبل إسرائيل بحل الصراع على أساس الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وتقبل بالشرائع الدولية ,وثمة حدود لبقاء الفلسطينيين بعيدا عن النضال الدبلوماسي و المقاومة الشعبية , وتبقي في النهاية تصريحات كيري حول عدم قدرته لجعل الحصان يشرب الماء دليل على ضعف هذا الرجل و ضعف إدارة اوباما بالمجمل.