استباق فلسطيني للموقف الامريكي
المكان مجلس الامن الدولي والزمان قبل ان يعلن ترامب عن صفقة القرن او حتى يكشف عن بنودها على الاقل فيما يتعلق بالصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين ,الهدف ذكي ومحدد و موقت وله ابعاد سياسية مهمة على صعيد النضال السياسي والدبلوماسي الذي يخوضه الفلسطينيين ,والاجراءات قابلة للتطبيق وليست معقده ان رفعت واشنطن هيمنتها عن التفرد بالتصرف المنحاز لحل الصراع دون اشراك العالم , الذي حدث كان مخطط ومدروس بذكاء سياسي غير عادي لمواجهة غير عادية داخل اروقة مجلس الامن الذي يتولى بحث حالة الامن والاستقرار ونشر السلام في العالم ,لم تكن المواجهة مجرد خطاب مكرر للرئيس ابو مازن , ما حدث بالضبط جاء لمواجهة الصفقة الامريكية المسماة صفقة القرن وخاصة الجزء المتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي , ولعل مواجهة الصفقة بهذا الاسلوب يعني تقدم سياسي وذكي للقيادة الفلسطينية قد يترتب عليه الكثير , الخطة التي تقدم بها الرئيس للعالم امام مجلس الامن تواجه من قبل الفلسطينيين وعلى مسمع ومشهد العالم بخطة يفضلها المجتمع الدولي وتلقي اهتمام غير عادي من كافة الكتل المركزية بالعالم عدا الولايات المتحدة واسرائيل .
خطة السلام التي عرضها الرئيس امام مجلس الامن لم تكن خطة تكتيكية بهدف تحسين الخطة الامريكية المزمع الاعلان عنها قريبا كما اعلن وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون خلال زياته الفاشلة للمنطقة مؤخرا , بل هي رؤية الفلسطينيين العملية والمنطقية لحل الصراع واليات رعاية المفاوضات التي لا يمانع الفلسطينيين العودة اليها في اطار يعتمد على الاسس والمرجعيات التي حددتها الخطة وهي مبادرة السلام العربية التي اعتمدت في القمة العربية 2002 ولم تقبلها اسرائيل حتى الان بالإضافة الى قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين , الخطة تعني ان الفلسطينيين استبقوا الموقف الامريكي بكثير وجذبوا انتباه العالم وحشدوا لعدالة قضيتهم ليس عبر التصريحات والاءات والرفض بل بشكل اكثر عمليا وبذات اللغة التي يتحدث بها الامريكان ودعاة الحلول السلمية واصحاب مبادرات دفع العملية السياسية الى الامام.
لا اعتقد ان تكون الخطة التي قدمها الفلسطينيين للسلام جاءت صدفة او انية التوقيت والاعداد بل انها درست جديا وتم عرضها على بعض دول الاقليم مثل الكويت ومصر والاردن وعمان وجال الرئيس مشارق الارض ومغاربها للتشاور بشان بنودها مع كل من روسيا والصين وفرنسا والاتحاد الاوروبي ومؤخرا الهند باعتبار ان هذه هي القوي المحورية بالعالم ولم يتقدم الرئيس ابومازن بهذه الخطة الا بعد ان تلقي التأييد والضوء الاخضر بدعم خطته والعمل عليها وخاصة ان كثير من دول العالم الان اصبحت تتحدث عن ضرورة عقد مؤتمر دولي يخرج عنه اليات محددة لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ويتحدث ايضا عن الية لرعاية هذه المفاوضات . لعل الرئيس الفلسطيني نجح الى حد كبير في الحفاظ على سرية الخطة واوهم العالم انها مجرد افكار يطرحها ويناقشها مع مستويات دولية واقليمية مختلفة , والخطة قد تكون نقلت من طرف دولي او اقليمي حتى لإسرائيل والامريكان لكن لم يكن يعرف الامريكان او الإسرائيليين ان ابو مازن سيقدمها للعالم في مجلس الامن . الخطة اربكت حسابات امريكا واسرائيل الى حد بعيد باعتبار ان اسرائيل كيان يدعوا الى الحرب وليس الي السلام ويختبئ في رؤيته للسلام بالعباءة الامريكية فقط وبالتالي فان رد اسرائيل جاء سريعا على ما تحدث به ابو مازن فقد صرح نتنياهو ان ابو مازن لم يأتي بجديد وهذا معروفا لإسرائيل وبالتالى لن تقبل خطته للسلام ولن تفكر اسرائيل حتى بدراستها , هنا كتبت “هآرتس” حول هذا الموضوع ان عباس احتج على قرار الولايات المتحدة إخراج القدس من ملف المفاوضات بشكل غير مشروع، وقال إنها “خرقت التوازن كدولة وسيطة وراعية”، وفي ضوء ذلك “يجب العثور على صيغة أخرى لدفع العملية السياسية , اما "داني دانون" سفير اسرائيل في الامم المتحدة معتبرا ان ابو مازن تعتبره اسرائيل اليوم سببا في المشكلة وليس الحل وقال مخاطبا ابو مازن انك هنا تتحدث عن السلام لكنك تحدث الى رجالك بشكل مختلف تماما و اتهم ابو مازن بالتحريض و تمويل الارهاب باعتباره سياسة فلسطينية .
الامريكان وعلى لسان الناطقة باسم وارة الخارجية الامريكية هيذر ناورت قالت ان واشنطن تدرس خطة السلام الفلسطينية ولا تمانع ان يشترك دول مع امريكا في ارساء السلام لكن ليس في هذه المرحلة , وبالمقابل سارع وسيط السلام الامريكي في الشرق الاوسط صهر ترامب جاريد كوشنر والسيد جيسون غرنبلات الى الطلب رسميا من اعضاء مجلس الامن دعم خطة السلام الأمريكية التي تعدها واشنطن , في مؤشرات مؤكدة لرفض التعاطي مع ما طرحة ابومازن وحتى القبول بالمؤتمر الدولي ,لذلك فانا اعتقد ان امريكا اليوم ستسارع الى الاعلان عن خطتها وتكشف عن بنودها التي يرفضها الفلسطينيون والعرب مسبقا لانها خطة منحازة بالكامل للمشروع الصهيوني وتقفز كليا عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وحقة في تقرير المصير حسب الشرائع الدولية , اليوم اصبح امامنا خطة فلسطينية مقبولة دوليا وتلقي الدعم الكبير مقابل خطة امريكية يحتدم معها الصراع ويرفضها المجتمع الدولي لهذا فان الامريكان سيعملون بسرعة لحشد العالم لخطتهم علاوة على اعطاء اسرائيل الضوء لفرض الوقائع على الارض لتطبيق الخطة والذي اعتبره بدا بالفعل بمجرد ان اعلن ترامب القدس عاصمة للكيان في ديسمبر الماضي .
وسوم: العدد 761