الحاكمية لله عز وجل والديمقراطية
محمد زهير الخطيب/ كندا
ستبقى حجة (الحاكمية لله) من أقوى الحجج التي تستخدمها الجهادية السلفية في مواجهة الاسلام السياسي المتبني للوسائل الديمقراطية...
الجهادية السلفية تقول أن الحاكمية لله، وبالتالي الديمقراطية مرفوضة لانها قد تأتي باناس لا يحكّمون شرع الله عز وجل. والحل في رأيهم هو أن على المجاهدين السلفيين الانتصار على خصومهم وتطبيق شرع الله عز وجل بالفرض والقوة... ويدعمون فهمهم هذا بما يعتبرونه منهج الرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة.
هذا الامر فيه نظر من عدة وجوه، وأهم نقطة فيه هي مناقشة فكرة (استخدام القوة لفرض حكم الله).
النصوص واضحة بأن على المسلمين تحكيم وتطبيق شرع الله عز وجل، ولكن النصوص لم تشر في أي مكان إلى تطبيق الشريعة بالقوة على الآخرين، إذاً هذا الامر يخص المسلمين المؤمنين أن عليهم أن يطبقوا شرع الله على أنفسهم فرضاً، وأن يطبقوه على اسرهم ومجتمعهم ودولتهم إن استطاعوا دون إكراه أو إجبار... بالدعوة والحكمة والموعظة الحسنة...
اللفتة المهمة أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم استطاع أن يقيم الدولة المنشودة في المدينة المنورة دون صدام أو قتال مع شرائح المجتمع غير المسلمة، بل تعامل مع الشرائح غير المسلمة من يهود وكافرين ومنافقين بعقد إجتماعي سلمي فيه اعتراف بالآخر وتعايش مع المخالف دون صدام أو قتال. وتبقى حالة المدينة المنورة غير شاملة لكل الحالات، ولكنها تصلح نموذجا للقياس والاجتهاد، وأهم ظاهرة في هذا القياس والاجتهاد هو إرساء منهج العقد الاجتماعي السلمي التعايشي وترك المصالح المرسلة تعمل مادامت لا تمس عقيدة ولا تخل بمبدأ حيث بقيت على سبيل المثال قضية المشاركة في دفع الديات متداخلة بين المسلمين وغير المسلمين وقضية الدفاع عن المدينة المنورة يقوم بها كل مكوّن من مكونات العقد الاجتماعي من طرفه...
أعود فاقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفرض سلطانه على أحد بالقوة بل اتفق مع باقي أطراف المجتمع على عقد إجتماعي عادل ويحترم جميع الخصوصيات...
ورغم هذا العقد الاجتماعي أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم حاكم المدينة!!! ولكن هل كانت حاكميته بالغصب والقوة على الآخرين؟!! ربما كان بديمقراطية ضمنية حيث أن أتباع الرسول كانوا هم الاكثرية، ولم تكن صناديق الاقتراع معروفة... الامر ليس واضحاً ولكنه قابل للاستنتاج، وحتى نصل إلى إستنتاج واقعي دعونا نفترض أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى المدينة وربع سكانها فقط قد دخلوا في الاسلام والباقي غير مسلمين. كيف كان سيتعامل مع هذا الواقع؟ لا أحد يدري تماما، ولكن عندنا فسحة بانه كان سيختار عددا من الحلول ولكننا نجزم أن إستخدام القوة في فرض الرأي على مواطنين مسالمين غير مسلمين ليس منها، وهنا مربط الفرس.
لو أننا استيقظنا غداً صباحا ووجدنا جموعا من المؤمنين في دولة ما بنسبة 80 إلى 90 في المئة تريد دستورا متفقا مع الشريعة الاسلامية وبحيث ليس فيه ظلم لأحد في المجتمع ويتساوى الناس فيه أمام القانون، فمن ذا الذي سيمنعهم وهم يختارون ما يناسبهم من أحكام وقوانين ويعاملون جميع المواطنين بالتساوي والعدل. أما في المجتمعات التي ليس فيها هذه الاكثرية الساحقة وفيها أطياف متعددة الاديان والطوائف والاتجاهات السياسية فليس لاحد أن يفرض على الناس رأيه وليس لاحد أن يمنع أحداً من الدعوة لرأيه وإقناع الناس بمبادئه ومنهجه وبرنامجه، تدينا أو مصلحة أو ثقافة وتراثاً...
ولكننا إذا لم نكن في مثل هذه الحالة فليس هناك من دليل على أننا يجب أن نجبر الناس على شرع الله عز وجل. علينا أن نلتزم به أنفسنا وأهلينا والدوائر التي يسمح لنا القانون بأن نرسم لها سياساتها... ولا نفرضها على الآخرين...
والديمقراطية القائمة على الحرية تسمح لجميع الناس والمبادئ أن توسع دائرة تاثيرها من خلال الدعوة والاعلام وشرح المبادئ والفلسفات ودعوة الناس لتبنيها تدينا أو مصلحة أو ثقافة وتراثاً كل حسب إرادته الحرة، المهم دون فرض أو إجبار.
وفي كل الاحوال علينا أن نقدم الاسلام بسلاسة وإيجابية وترغيب، فهو يدور مع مصلحة الناس ويتبنى الوسطية واليسر، وفيه هامش إختلاف كبير يوسّع على الناس ويلبي حاجاتهم المختلفة، وفيه مرونة التطبيق التدريجي والدعوة لحسن الظن ودرء الحدود بالشبهات...
على الجهادية السلفية أن تترك النهج المنفر من الدين الذي تتبناه والذي يلوح بالعصا للمخالفين، فليس لأحد أن يستعبد الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً، وهل هناك أكثر استعبادا للناس من فرض الرأي...