فرنسة ماكرون...في سياق دورها التاريخي المريب

ترث دور الأمريكيين في دعم الإرهاب وحماية الإرهابيين في سورية

في الذاكرة السورية ، بعيدة وقريبة ، غصص من السياسات الفرنسية التي اتسمت عبر تاريخها الطويل بالعدوان المؤسس على كراهية الإنسان.

ذكريات الحروب الصليبية ، التي تولى كبرها مع الكنيسة الكاثوليكية الفرنسيون ، إلى جانب غزو نابليون إلى بلادنا كل ذلك تأسس على ركام من ثقافة (بطرس الناسك) وشركاه من الرهبان الجوالين ، الذين كانوا يسيرون بين الجماهير بصورة ( السوري ) ، في هيئة عربي يبول على قبر المسيح.

لاشك أيضا أن المتبقي في ذاكرة الفرنسيين عن شعب هذا الإقليم صورة مليكه لويس التاسع منذ القرن الثالث عشر ، يقبع في قيده ذليلا مهانا في دار ابن لقمان ، بعد معركة المنصورة الشهيرة . أو صورة الامبراطور الفرنسي العظيم ، ترده عكا المدينة السورية العظيمة على أعقابه في واحدة من أكبر هزائمه في التاريخ !!

وفي حين يتذكر السوريون غورو وإنذاره الشهير ، وإصراره على اقتحام الشام ، رغم قبول حكومة فيصل ذلك الإنذار المقيت ، يعود السوريون للنفخ في رماد معركة ميسلون ، وبطلهم يوسف العظمة مع المستجيبين له من الأحرار الأبطال، ليستمروا في التغني :

كم لنا من ميسلون نفضت ..عن جناحيها غبار التعب

وفي الوقت الذي يرد غورو على ميسلون بركلة من قدم وحشية لضريح البطل صلاح الدين ( ها قد عدنا ..) ؛ يجيب السوريو بثورة كبرى تشتعل على كل الأرض السورية من جبل الزاوية إلى جبل العرب إلى الغوطة البهية إسوارة دمشق الخضراء .

ويمكر الفرنسيون ، فيكون ( جيش الشرق ) بتركيبته المريبة إحدى أكبر حلقات مكرهم المريب . وكلما خطر لبعض السوريين أن يفتحوا صفحة جديدة مع شركائهم ، على الضفة الأخرى من المتوسط ، الماء الذي يلعب فيه أطفال سوريون وفرنسيون عند الأصيل في وقت واحد ؛ كان الحاضر الأول في السياسة الفرنسية ثقافة : بطرس الناسك ، وليس الثورة الفرنسية ، وشخص لويس التاسع الغازي ، وسطوة بونابرت الامبراطور المتعجرف ، وركلة غورو على ضريح بطل طواه الثرى منذ ألف عام ..

وفي غبار كل هذا التاريخ تقفز الذاكرة السورية اليوم ، وهي تتأمل حصاد جيش الشرق الفرنسي وليس السوري ، قتلا واغتصابا وتدميرا، إلى عام 2006 ، يوم أقدمت العصابة الأمنية لجيش الشرق الفرنسي، على اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري ، وغضب العالم يومها غضبة صادقة للأخذ على يد المجرم القاتل ومحاسبته بعد أن خرج من لبنان هاربا لا يلوي على شيء ؛ وكيف تعهد الرئيس ( الفرنسي ) ساركوزي ، للرئيس الأمريكي بوش الابن ، بإعادة تأهيل القاتل المجرم ، وكيف دعاه إلى الإليزية ، ومنحه قبلة الحياة التي كان فيها من الغدر والخسة أكثر مما في قبلة يهوذا الخائن المرتد اللئيم .

من أقرب محطات إظهار العداوة والبغضاء الفرنسية في تاريخ العلاقة مع الشعب السوري تصريح ماكرون ( بشار الأسد عدو الشعب السوري وليس عدونا ) في كلام عدواني مستفز ترفضه القيم الأخلاقية والثقافة الإنسانية والأعراف والقوانين الدولية ؛ حتى علق المعلقون : أي قزم احتل كرسي القيادة في فرنسة الحرية والتنوير ؟!

وبعدُ ..

كان كل ما مرّ مدخلا تاريخيا يكشف أساسات الدور الغربي عموما والدور الفرنسي خصوصا في المذبحة التي نفذت على الشعب السوري.

ولقد لفت أنظار المتابعين منذ نحو اسبوع تحرك الاتحاد الأوربي لمد جزرته أمام صانع القرار التركي ، ليشاغله عن الدور الإيجابي الذي بات يقوم به لحماية أمنه القومي ، مما يتضمن حماية بعض امن الجغرافيا والديموغرافيا السوريَين .

كما لفت سمع المتابعين تصريح شارد ندّ عن الرئيس الأمريكي ترامب، ظنوه عابرا ، يوصي الرئيس الفرنسي ماكرون ، بتفهم مخاوف الأتراك في الشمال السوري .

لتتكشف اللعبة منذ مساء الأربعاء 28 / 3 / 2018 عن حلقة جديدة في المكر السيء بسورية جغرافيتها ، وهويتها ، وإنسانها ، وحاضرها ، ومستقبلها ..

* ماكرون ، المشارك في التحالف الأمريكي لما يسمى الحرب على الإرهاب في سورية ، يستقبل الخميس / 29 / 3 / ممثلين لإرهابيين يضمرون الشر لسورية والسوريين ، كل ما يميز هؤلاء الإرهابيين ، عن إرهابيي داعش أنهم يستهدفون سورية والسوريين . وأنهم يتحالفون مع المحتلين الأمريكيين ...

* ثم ، ماكرون الذي لا يرى في مجرم الحرب بشار الأسد عدوا ، يعلن استعداده لتكريس عصابات الإرهابيين من جماعة البي واي دي وصيا على الأرض والشعب في الشمال السوري ، وبتبني مصالحة مزعومة بين هؤلاء الإرهابيين وبين الدولة التركية ..

* وفي الوقت الذي أعلن فيه ترامب عن رغبته العاجلة في سحب قواته من سورية بادره ماكرون في تكامل مدبر ومتفق عليه مسبقا إلى استعداده إلى تعزيز قواته ضمن تحالف محاربة الإرهاب في الشمال السوري ، متناسيا إن الإرهاب لا يُحارب بالإرهاب ..

* وأبشع ما في الأمر وأنكره وأكثره فظاعة وتوحشا نشر صحيفة لوموند ، كبرى الصحف الفرنسية ، مقالا مشتركا خاض فيه العديد من الشخصيات الفنية والعلمية والفكرية والسياسية وفي مقدمتهم وزير الخارجية الفرنسية السابق كوشنير يدعون فيه الرئيس الفرنسي ألا يسكت على حرب الإبادة التي ينتهجها الاحتلال التركي بحق ( الشعب الكردي ) مؤكدين أن فرنسة قادرة على وقف سياسة تركية الامبريالية ..

* المقال الجريمة ، والمقال الاعتراف ، والمقال الإفك والافتراء ..أما الجريمة فهو في الاشتراك في لعبة دولية قذرة ، أخذ الرئيس ماكرون على نفسه حق القيام به باستكمال الجريمة الأسدية ضد شعب حر ، خرج ينشد الحرية والكرامة الإنسانية .

أما الاعتراف فهو اعتراف هذه النخبة الفرنسية المأجورة – ونحن أعلم بمن دفع أجرها ، أن فرنسة قادرة على وقف حرب الإبادة ، والسياسات الامبريالية ؛ ليصفعهم سؤال سبع سنوات من الهولكست المستدام ، ولم تتحرك فرنسة الحرية والأنوار لتضع حدا لجريمة ، ما زالت ترتكب ضد الأطفال الأبرياء .

أما المقال الإفك والافتراء ، فإن أعمى البصر والبصيرة من يعمى عن الجريمة النكر على أرض الغوطة ، ويزعم أن في عفرين ، التي خرجت من حرب تحريرها أشبه بعروس مزهوة ، حرب إبادة !! ..حفظ الله عفرين ، وإنسانها وعمرانها .

ولقد كان موقف الحكومة التركية واعيا ومدركا لأبعاد الفخ (الأمريكي – الفرنسي) بأبعاده ، وتداعياته . وهو موقف يستحق من القوى والهيئات السورية التأييد والتشجيع والتعاون حتى تسقط المؤامرة التي يعمل عليها جميع الشركاء متوافقين ومتشاكسين.

* ولا بد لنا كقوى ثورة سورية ومعارضة سورية أن نعلن رفضنا وتنديدنا بالسياسة الفرنسية التي أسس لها بطرس الناسك ولويس التاسع والتي كان من أبرز تجلياتها قدم غور الهمجية ، وجيش الشرق ومقولة ماكرون : بشار الأسد عدو الشعب السوري ، وليس عدونا ..ثم هذا التحالف الجديد مع الإرهابيين بزعم حرب الإرهابيين!!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 766