تلازم المسارين: طرد الفلسطينيين من سوريا والسوريين من لبنان

باستثناء الأمم المتحدة التي أعربت عن قلقها على آلاف المدنيين المحاصرين منذ سنوات في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق، وبيان أصدره كتاب وناشطون فلسطينيون وعرب، عن تدمير روسيا والنظام السوري المبرمج للمخيم، فإن لا صوت آخر انتبه لهذه الواقعة ولمعناها الكامن، وهو تصفية أكبر مخيّمات سوريا وأشهرها وقتل وتشريد من بقي من أهله في أصقاع العالم.

للنظام السوري تاريخ طويل في استهداف المخيمات الفلسطينية وتدميرها، بدءاً من مخيمي تل الزعتر وضبية، اللذين جرى اجتياحهما بعد دخول جيش النظام إلى لبنان عام 1976، بالتعاون مع «الكتائب» اللبنانية، ومروراً بمخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة التي تعرضت لحصار وحشي وتدمير مبرمج خلال الأعوام 1985 ـ 1988، وليس انتهاء بتدمير مخيم نهر البارد شمال لبنان عام 2007، وتشريد سكانه عن بكرة أبيهم.

أحد أسباب تجاهل مصير مخيم اليرموك الكارثي، والذي كان أكبر مخيمات الفلسطينيين بأكثر من 400 ألف نسمة، أن المعركة تجري مع تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يحتلّ المخيم بتسهيل وتواطؤ من النظام نفسه، في تكرار لحدث مخيم نهر البارد الذي احتلته حركة «فتح الإسلام»، وهو سيناريو يبدو النظام السوري متخصصا في تأليفه وصناعته، ويعيد التذكير بتنظيمه لعمليات حشد وإرسال «الجهاديين» إلى العراق، وبإطلاقه لقادتهم من سجونه قبيل الثورة عليه عام 2011، فالألعاب الاستخباراتية هي أسّ عمل النظام ومناط اهتمامه الأول.

يضاف إلى ذلك طبعاً انشغال الفلسطينيين في الداخل بصراعهم الوجودي مع إسرائيل، وصراعاتهم الداخلية بين رام الله وغزة، وتواطؤ بعض القيادات العربية عليهم، ومحاولاتهم المستميتة الدفاع عن الأقصى والقدس، وحراكهم العظيم في مسيرات العودة والمظاهرات والاعتصامات، والاغتيالات والسجون، ومعاناتهم، وخصوصا في غزة، من الضيق الاقتصادي والحصار المتعدد الوجوه.

تتناظر هذه الجريمة الكبيرة ضد مخيم اليرموك مع الحملة المكثفة المستمرة من أركان الحكم اللبناني ضد اللاجئين السوريين، فرداً على مؤتمر بروكسل الذي نادى بالعودة الطوعية للنازحين ودمجهم في المجتمع وسوق العمل استشاط الرئيس اللبناني غضبا الذي وجد هذه الدعوة «تتعارض مع استقلال الوطن اللبناني» و«السيادة اللبنانية»، رافضا ربط عودة اللاجئين بالحل السياسي في سوريا أو ربط إعادة الأعمار بالحل نفسه، فيما قام صهره، وزير الخارجية جبران باسيل بمهاجمة «المجتمع الدولي» مطالبا إياه بوقف تشجيع السوريين على البقاء وبعدم إعطاء اللبنانيين «دروسا في الإنسانية».

الرئيس اللبناني لا يجد تعارضا مع استقلال الوطن اللبناني وسيادته أن جماعة بعينها، مثل «حزب الله»، تمتلك سلاحا يتفوق على سلاح الدولة نفسها، وتطوب قرارات هذه الدولة لصالح دولة خارجية، وتحرك قواتها الكبيرة خارج حدود لبنان حيثما تريد، فتصل كتائبها إلى أقاصي سوريا والعراق واليمن من دون أن تهتزّ شعرة سيادة واستقلال في رأس الرئيس وصهره.

والحقيقة أن دخول جيش النظام السوري، عام 1975، وما أعقبه من احتلال فعليّ للبنان، ومجازر كان الفلسطينيون هم هدفها الأول، وما تولّد عن ذلك الاحتلال من مصطلحات ساخرة كـ«تلازم المسارين»، هو الأب الفعلي لما حصل لاحقاً بعدها من مجازر في سوريا نفسها، ضد السوريين الذين هربوا بالملايين نجاة بأرواحهم، وضد الفلسطينيين الذين يدمّر النظام الآن آخر قلاعهم، وكذلك لما يحصل الآن أيضاً من وحدة الاتجاهات العنصرية والطائفية اللبنانية ضد النازحين السوريين، بعد أن قامت بدورها في إخراج الكيان السياسي للفلسطينيين من لبنان، ثم المشاركة في المجازر ضدهم والاستفراد بهم وحصارهم والتضييق عليهم.

تلازم المسارين بهذا المعنى، هو اتفاق المستبد الطاغية مع أركان العنصرية والطائفية ضد الفلسطينيين والسوريين، بعد مماحكات تاريخية طويلة على من له اليد الطولى في إبادة هؤلاء.

وسوم: العدد 770