الدين والاستجابة لمواكبة العصر
في أغلب اللقاءات السياسية الدولية التي حضرتها من سنين، وكان يناقش فيها وضع الدين والإسلاميين بسوريا كان يصرح لنا من قبل الغربيين بوضوح أن النموذج الإسلامي المسموح به في مستقبل سوريا هو النموذج التونسي، وهو الوحيد القابل للتعامل معه من قبل الغربيين.
لم أكن أفهم حقيقة هذا الإصرار على تلك التجربة لتاريخ البارحة، فقد جمعتني دعوة من مركز دراسات مهم لحضور ندوة للشيخ عبد الفتاح مورو أحد رموز حزب النهضة التونسي ، حول علاقة الدين بالدولة ووجدت احتفاء علمانيا بتلك المحاضرة وإصرارا على نجاحها ،بدأ مقدم الندوة بالتعريف بمورو(كشيخ إصلاحي) وهو مصطلح مثير للجدل،ثم عرج بكلمة متفائلا بالمحاضرة (لعلنا نستغني بالعقل عن النقل).
استهل المحاضر ندوته بإسهاب في جلد التاريخ الإسلامي ومراحله،ثم انتقل لجلد الفقه الإسلامي القاصر في قضايا الحكم ،ثم انتقل لتقريع الحركات الإسلامية وتحميلها ماجرته على الأمة من تبعات، ثم بدأ سلسلة من الهدم لعدد من القناعات في الذهنية الإسلامية (ابتداء من نسف شكل الحكم المحدد مرورا برد أحكام تبنى على أحاديث نبوية نتيجة رؤيته الخاصة للفهم النبوي وآليات ثبوته ،مرورا بالتعريج على قضية الحرية الدينية، وعدم قتل المرتد ثم تحدث عن تقاطعات الإسلام مع العلمانية) ،وبات يتغنى بطبيعة التغييرات الجريئة التي أبدتها حركة النهضة التونسية في المجتمع التونسي، ومن ذلك ترشيحهم للانتخابات الأخيرة لشابات غير محجبات ذاكرا ذلك بمعرض الفخر والاعتزاز كأول حركة إسلامية تقدم على هذا الخطوة، بقيت متفهما لكثير مما يقوله نسبيا لحين ولوجه بقضايا اجتماعية حساسة مثل رفضه لقضية القوامة الشرعية ،ومباركته لزواج المسلمة من غير المسلم(الزواج المدني)،ورفضه لقضية تعدد الزوجات ، وغيرها من القضايا التي لها ارتدادات مجتمعية كبرى، وبت أتساءل حول مآلات هذا الكلام الجريء ،ولم يغفل الترحم على (الزعيم بورقيبة) الذي قتل من التونسيين آلافا مؤلفة ،وحاول ذكره كزعيم بنى تونس الحديثة ، مع بداية الأسئلة التي وجهت له ،كان حريصا على استرضاء من يسأله دوما بأن ما تظنونه دينا ليس بدين وخصوصا في قضايا الحريات والمرأة، لم يتسع الوقت كثيرا لمناقشته حول كثيرا مما ذهب إليه من قضايا فكرية ،لكني لفتت نظره أنه أغفل كثيرا لدور الاستبداد في سبب فشل الحركات الإسلامية، ولكن امرأة تونسية محجبة ناشطة في المجال السياسي (عائدة بن عمر) كانت صريحة وواضحة بالرد عليه بكل صراحة موضحة أن قضية حقوق المرأة التونسية وتحريرها على يد النهضة غير دقيقة ،فليست المرأة بتونس مضطهدة أصلا ،وأشارت إلى ارتدادات فقه النهضة بقضية المرأة التي اورثت ظاهرة اجتماعية خطيرة متجلية بملايين النساء العوانس فضلا عن الدعارة المقنعة ، مشيرة صراحة إلى قيام النهضة بمحاولة استرضائية واضحة لتيار الفرنسة في تونس وعقد صفقات معه،مشيرة إلى أن قيادة النهضة تتغافل عن خسارتها لكتلتها الانتخابية متجلية بألوف الشباب المتدين الذي لايقبل بنظرتهم للإسلام، ثم أشارت لبؤس التجربة الانتخابية التي تمت من أسبوعين بتونس ،وقاطعها ثمانون بالمئة من التونسيين ،مذكرة مورو بجرائم بورقيبة بحق تونس ورجالاتها لعقود خلت .
أقلقني حقيقة حالة الانبهار والتسويق التي يبديها كثير من نخبنا السورية، وبعضهم مقربون من مؤسسات شرعية مرجعية كالمجلس الإسلامي وغيره لهذه الظاهرة كردة فعل على إخفاق الفصائل الإسلامية في تقديم نموذج عاقل لشكل الحكم أو عجزها عن التعامل مع الواقع الثوري ،مما دفع تلك النخب للبحث عن نماذج وفق معطيات أخرى بغض النظر عن خلفياتها الفكرية المضطربة المتوائمة مع واقعها المأزوم.
وسوم: العدد 773