الإيرانيون وموسم الهجرة إلى جورجيا
مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية
باتت إيران واحدة من الدول التي تعاني من ظواهر خطيرة منها:
ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج بظروف غامضةٍ ومثيرةٍ للالتباس، فالتقارير شبه الرسمية الإيرانية بدأت تتحدث عن تهريب 59 مليار دولار إلى الخارج على شكل عملاتٍ صعبة ومعادن ثمينة " ذهب "، وسط اتهامات لشخصيات متنفّذة في النظام الإيراني، وفي مقدّمتهم المرشد والحرس الثوري وأجهزة المخابرات، إلى جانب العديد من المسؤولين المحسوبين على النظام ورجال دين؛ منهم مراجع تقليديّة من رتبة آية الله، وآية الله العظمى. ظاهرة هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وخصوصًا إلى تلك الدول التي تشجّع على الاستثمار فيها، وهذا العام يمكن تسميته "بموسم الهجرة إلى جورجيا"، فهناك في جورجيا _كما يقول رجال الأعمال_ يتمتّعون بسهولة الاستثمار، والحرية الاجتماعية والتشابه الثقافي، وهذا ما جعل الإيرانيين يختارون جورجيا ملاذاً آمنًا لهم، ناهيك عن احتماليّة انضمامها إلى دول الاتحاد الأوروبي.
لقد أدرك التجار الإيرانيون في هذا العام بأنّ جورجيا قد عملت على استقطاب رؤوس الأموال، حيث تقلّ فيها مسألة البيروقراطية بأشكالها المختلفة، والتلاعب بالأوراق، ناهيك عن عدم وجود عوائق تحدّ من الانتاج، في حين يعاني منها الإيرانيون في بلادهم أشدّ المعاناة، حيث حفّز هذا كلّه على المجيء إليها. فإنك في هذا البلد ترى الأسواق والمطاعم التي تفوح منها رائحة الخبز البربري، والأطعمة الإيرانية التقليديّة، هذا ما يتحدث عنه الإيرانيون في ترويجهم الذهاب إلى جورجيا.
إن التقارير الواردة في الصحافة الإيرانية تُشير إلى هروب الكثير من رؤوس الأموال إلى جورجيا ... ولعل الافلاس، وعوامل الجذب المختلفة، والمناخ الجديد من أبرز العوامل التي دفعت بالإيرانيين في السنوات الأخيرة إلى المغادرة باتجاه جورجيا، وذلك من أجل كسب لقمة العيش والعمل الكريم، وممّا يُدلّل على ذلك وجودُ كثيرٍ من اليافطات والإعلانات الإيرانية في الشوارع الجورجيّة كلّها تسوّق للعمل هناك ، وعندما تتحدث إلى الإيرانيين المقيمين هناك، تجد كثيرًا من الأسباب المتشابهة هي التي جمعت بينهم، وهي التي حفّزتهم على المجيء إلى جورجيا، وفي مقدّمتها الخشية من انهيار الدولة الإيرانية بكلّ مؤسساتها وبشكل مفاجئ، وهذا ما يتوقعه التجار الإيرانيون اللذين هربوا من جحيم النظام .
في داخل المدن الجورجية الكبيرة ترى الكثير من اليافطات والمُلصقات التي تحثّ الناس على الاستثمار والاقامة، رغم ما تعانيه من مشكلات. وأما بالنسبة للإيرانيين فقد كانت هناك مشكلة الغاء الفيزا عام 2016 إلى هذه الدولة من أكبر المعضلات والتي تمّ حلّها حديثًا.
إنّ الهبوط المدويّ لسعر التومان الإيراني، الى جانب اضطراب الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة، وعدم توقّع المستقبل الجيد هناك، كلّها قد زادت في رغبة التجار بتحويل أموالهم وتجارتهم إلى جورجيا، حيث أضحت ملاذًا آمنًا لرؤوس أموالهم واستثماراتهم، لذلك تضاعفت الهجرة لدرجة أنّك تجد الكثير من المباني هناك باتت ملكًا للإيرانيين، وفي حال استمرّ التومان الإيراني في الانهيار، فإنّ تدفّق الايرانيين إليها وإلى غيرها وخصوصًا دول الجوار لن يتوقف بل سيتضاعف أضعافًا كثيرة.
أما الظاهرة الثالثة: فهي هجرة النخب والكوادر العلمية المتخصصة إلى الخارج، فهذه الظواهر بأشكالها الثلاث باتت تُمثل إهدارا كبيراً للموارد البشرية والمالية الإيرانية، لقد تنوّعت أسباب هذه الهجرات ما بين أسباب اقتصادية وأسباب سياسية وأسباب أمنية تتعلق برغبتهم في الابتعاد عمّا يجري في البلاد من تحولات واضطرابات وخصوصًا بعد الانهيار الاقتصادي الذي باتت تعيشه جراء انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وقد لعبت السياسة الخارجية الإيرانية المتخبّطة دورا كبيرا في تفاقم الأمور داخليا مما دفع أصحاب العقول إلى السفر خارج إيران أيضًا.
لقد طالب مسؤولون إيرانيون بإيقاف تدفّق الأموال إلى الخارج وذلك بالحدّ من عوامل انهيار الاقتصاد الإيراني، بخاصة وأن أحد أبرز أولويات روحاني _والتي فشل في تحقيقها_ هو إعادة الثروة المالية والبشرية المهاجرة، وهو الأمر الذي أخذه بجدية الرئيس خاتمي من قبله لكنهما أخفقا في تهيئة المناخ المناسب لعودة رأس المال إلى إيران، فالمستثمرون لن يرجعوا أبدا لأنهم لا يخشون على أموالهم واستثماراتهم فحسب، بل حتّى على حياتهم. في ظلّ حكوماتِ قمعيةٍ لا تتوانى عن الزجّ بأبناء شعبها في غياهب السجون بتهمة التخابر مع الأعداء بهدف الاستيلاء على ثرواتهم.
فهذه التطورات وغيرها تكشف عن عمق المأساة التي باتت تعيشها إيران، والتي تتجلى من خلال اهتمام عدد كبير من الإيرانيين بالسفر إلى الخارج مؤخراً، لكن اللافت للانتباه في هذا الصدد أن هؤلاء لا يرغبون في العودة مطلقًا سواء تم ذلك بشكل قانوني، أو في إطار عمليات التهريب المنظّمة التي باتت تتمّ الآن، بل إنّ الكثير من الإعلانات والدعايات التي تضجّ بها وسائل التواصل الاجتماعي بضراوة منقطعة النظير تدعو الناس إلى الهروب من جحيم النظام البائس، بل باتت تجنّد إمكاناتها في معارضة النظام وفضح ممارساته.
وسوم: العدد 776