إسلاميون أم مسلمون؟!

شريف زايد

عندما زار الرئيس الأمريكي أوباما مصر في الرابع من حزيران/يونيو 2009 وألقى خطابه الشهير في قاعة الاستقبال الكبرى في جامعة القاهرة أراد أن يخفف من وطأة التواجد الأمريكي في المنطقة والمجازر التي ارتكبتها القوات الأمريكية بحق المسلمين، فكان تفريقه بين الإسلام والإسلاميين هو سلم النجاة الذي تشبث به، فقال إن أمريكا لا تحارب الإسلام كدين ولا المسلمين كأمة، وإنما هي تحارب حركات سياسية أو إسلاميين يصارعون الولايات المتحدة لأسباب سياسية. ويومها صفق له الكثيرون، وعندما افتتح خطابه بالسلام عليكم، كتب البعض ونحن نقول وعلى أوباما السلام.

لقد أراد البعض أن يجعل من مصطلح "الإسلاميين" علامة دالة على فريق من المسلمين هم: "طلائع الفكر والعمل الإسلامي، المشتغلون بصناعة الفكر والذين يقودون العمل لوضع هذا الفكر في الممارسة والتطبيق"، وانطلاقا من هذا التعريف يقول الدكتور محمد عمارة: "فكل إسلامي هو مسلم وليس العكس دائما صحيح". والحقيقة أن هذا المصطلح سرى بين المسلمين سريان النار في الهشيم وأصبح علامة فارقة على رجال التيار الإسلامي بجميع فصائله تمييزًا لهم عن نظرائهم من رجالات التيار العلماني. ولعل استعمال هذا المصطلح ساعد كثيرًا الغرب وأزلامه في بلادنا من توجيه سهامهم المسمومة للإسلام تحت ذريعة أن هذه السهام موجهة للإسلاميين وليس للإسلام، مما مكنهم من وصف هؤلاء الإسلاميين بما يشاؤون بل وسبهم وتقبيحهم، فهم تجار دين، غير وطنيين، متطرفون وإرهابيون، كاذبون بل وحتى منافقون، وما هم إلا طلاب سلطة من أجل مصالحهم الخاصة فقط، ولائحة الاتهام حينئذ تطول، ومن هذه السهام وأشدها القول بأنهم لا يملكون مشروعا نهضويا للأمة، بينما هم يريدون القول أنْ ليس في الإسلام مشروع نهضوي يتعلق بالحكم والسياسة.

إنها محاولة لسلب المسلم أهم ما يميزه، وهو كونه مسلما يرى أن الإسلام له طراز خاص في العيش، وأنه بصفته مسلم يجب أن يعيش حياته في ظل شريعة الرحمن، يلتزم بها في أموره الفردية وتطبق عليه الدولة باقي أحكام الإسلام، وهذا ما عليه الكثرة الكاثرة من المسلمين الذين يتمنون العيش في ظل أحكام الإسلام، كما وأن الحركة الإسلامية لا يمكنها أن تقيم دولة الإسلام وحدها، بل هي تعمل مع الأمة وبينها لتتخذ قضية الحكم بالإسلام قضية مصيرية لها. ومن هنا لا يمكن فصل الحركة الإسلامية عن جماهير الأمة ففي هذا الفصل موت لها وإخفاق ما بعده إخفاق، فشعور الأمة أن قضية الحكم بالإسلام ليست قضيتها، وأن هناك في الأمة من يعمل لذلك، وهم من يُطلق عليهم الإسلاميون، يجعلها منفصلة عن قضية حيوية لها، لا يمكن تحقيقها في أرض الواقع إلا بها. ولهذا فإن استعمال مثل هذا المصطلح هو أمر مقصود منه صرف الأمة عن الالتفاف حول رجال منها، يصلون الليل بالنهار ليعيدوا للأمة مجدها وعزها في ظل دولة إسلامية تطبق الإسلام في الداخل وتحمله للخارج بالدعوة والجهاد. كما يجعل أبناء الحركة الإسلامية ودعاتها معزولين عن أمتهم وفي مرمى النيران، ويجعل من الإسلام إسلامَيْن!، إسلام تدين به الأمة، وإسلام سياسي يحمله إسلاميون، برغم أنه لا يوجد سوى إسلام واحد جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهو دين شامل لكل مناحي الحياة، هو دين ومنه الدولة، هو دين يمزج المادة بالروح، ويجعل الأمة والدولة والأفراد يسيّرون أمورهم كلها وفق أوامر الله ونواهيه.

لقد أحدث أعداء الله مصطلح "الإسلاميين" ليُشعروا عامة المسلمين أن ما يدعو إليه هؤلاء النفر شيء غريب على عامة "المسلمين" ولا يلزمهم بشيء، مما يوجد حالة من العزلة الشعورية بينهم وبين باقي أبناء الأمة يترتب عليها خذلانٌ عملي عن نصرة هؤلاء الدعاة، فينفرد بهم اللئام من أعداء الله تنكيلاً في السجون، وتشهيراً على الملأ، ومطاردةً في كل أرجاء الأرض، والأمة الإسلامية غافلة لا تشعر أن أمر هؤلاء يعنيها في شيء، فعامة الأمة مسلمون أما أولئك فإسلاميون!.

لقد أصبحت مسألة الحكم بالإسلام وإقامة دولة الإسلام دولة الخلافة على منهاج النبوة مطلبا لقطاع عريض في الأمة، رضوا بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا، وبالخلافة نظام حكم. ومن غير المتصور أن يكون هناك مسلم يرفض أن يرى دينه مطبقا في واقع حياته، حتى نُصنِف الناس إسلاميين ومسلمين، وإن كانت (لوثة العلمنة) قد أصابت بعض أبناء المسلمين فأدخلتهم في صف أعداء المشروع الإسلامي الذي يحمله أبناء الأمة المخلصون. ومن هنا لا يمكن الركون والتسليم بوصف من يعمل لتحكيم شرع الله في واقع حياة الأمة بالإسلاميين، لأن في هذا الوصف محاولة لإخراج الأمة من حلبة الصراع، وهذا ما يراهن عليه الغرب وأذنابه في بلادنا.

قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.