البازار الإيراني يدخل في خط المواجهة مع النظام الإيراني

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

لا تزال الأسواق التجارية تشهد احتجاجات مستمرّة في مدن متفرقة داخل إيران، وحتى هذه للحظة لم تتوقف التظاهرات، حيث تمّ إغلاق المحال التجاريّة، رغم التواجد الأمني المكثّف في أغلب الأماكن من سوق طهران، سيّما في سوق الصاغة وشارع "لاله زار". لقد امتدّت حركة الاحتجاج لتشمل مدن إيرانية أخرى مثل: كرمانشاه، وتبريز، وشهريار، وكرج، وقشم، وبندرعباس، ومشهد.

 لقد صرّح المدعي العام في طهران بأنه تم إلقاء القبض على مفتعلي هذه الإضرابات بالجملة، ثم عقدت جلسة استثنائية لمجلس الأمن القومي الإيراني، وتمّ استدعاء الوزراء المعنيين إلى هذه الجلسة ليتدارسوا سبل الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية والسياسية الطاحنة التي تعيشها إيران، ويجد الإشارة إلى أنّ "فائزه هاشمي" ابنة الرئيس الإيراني الأسبق "هاشمي رفسنجاني" قالت في حديث لها: بأن إيران ليس أمامها من سبيل أو مخرج سوى الحوار مع أمريكا، وإلا فستواجه الجحيم.

 إنّ ما يحدث في إيران اليوم يعتبر سابقة لم تحدث منذ أربعين عامًا، وإذا ما عدنا بالتاريخ إلى الوراء إلى شهر يونيو من عام 1981م، نجد بأنّ هذه المظاهرات أشبه بتلك التي تمّ على إثرها عزل السيد "أبو الحسن بني صدر، من منصبه، و إذا عدنا بالتاريخ إلى شهر يونيو من عام 2009م فإن المشهد يكاد يقترب في صورته من أحداث الحركة الخضراء "جنبش سبز "، ففي هذين الحدثين من التاريخ القريب للثورة الإسلامية، يتبيّن بأنّ إيران قد عانت فيهما من أزمات خانقة إلّا أنه لم يتمّ إغلاق سوق طهران وأسواق الولايات الأخرى كما يحدث الآن؛ فتزايد هذه الاحتجاجات والإضرابات سيعمل على شلّ الاقتصاد الإيراني، وما حصل في الأمس وأول من أمس يتباين تماماً مع ما الأحداث السابقة.  والذي يبدو أنّ هؤلاء المحتجّين والمضربين يدخلون إلى الميدان غير آبهين لما سيحصل من نتائج سلبية جرّاء هذا، رغم يقينهم بوجود تبعات قضائيّة جراء هذه الإضرابات والاحتجاجات، وهذا ما أشارت إليه صحيفة "كيهان"، في صدر افتتاحيّتها عندما قالت: إنهّ يجب أن يكون تنفيذ حكم الإعدام في الساحات العامّة لكلّ المضربين والمحتجين، وعنّونت في صدر صفحتها بعبارة " إعدام".  كما صرّح رئيس السلطة القضائية، وأخ رئيس مجلس الشورى الإيراني آية الله "صادق لاريجاني"، بحتمية إنزال عقوبة الإعدام بكلّ المخلين بالأمن، كما تحدّث المدعي العام لطهران "جعفري دولت ابادي"، عن وجود اعتقالات كبيرة بين صفوف هؤلاء المحتجيّن. وخلاصة القول: إنّ أغلب المسئولين القضائيين وبما لديهم من سلطات قضائية واسعة قد دخلوا ميدان المواجهة مع الشعب بغية الحدّ من تداعيات الأزمة، وهناك مخاوف كبيرة تؤكّد بأنّ القيادة الإيرانية باتت في حالة إرباك تام، ما دفعها لإصدار الأوامر بإنزال قوّاتها الأمنيّة إلى السوق؛ وكأن القيادة والحكومة لا يعرفون أيّ مظاهرات يواجهون! فهم يعتقدون أنّ هذه الاحتجاجات مثل الاحتجاجات الطلابيّة التي يمكن قمعها بسهولة من خلال قوات البسيج وراكبي الدرجات من أنصار مليشيا حزب الله الإيراني، على غرار تعاملها مع ما حدث في زمن حكومة خاتمي في العام 2001م، وهذا برأيهم يُمثل الآلية المناسبة للتعامل مع الاحتجاجات الطلابيّة، إلا أنهم تغافلوا عن هذه الحقيقة، وهي أنّه لا يمكن التعامل بالعصا مع من يحتج في سبيل تحصيل لقمة عيشه، أو من يحتج وهو لا يملك شيئا ليخاف عليه، لأن مستقبله بات في مهب الريح، كما أنه لا يمكن استخدام هكذا أسلوب في التعامل مع تلك الفئة من التجار وأصحاب رؤوس الأموال لأن ردّة فعلهم ستختلف تماما عمّا كانوا يتوقعون.  أعتقد أنّ ما صدر عن القيادة والحكومة الإيرانية، ومؤسساته القمعية حتى هذه اللحظة من ردود أفعال إنما ينمّ عن عدم إدراكها الصحيح لهذه الأحداث وعدم تقديرها لتبعات وآثار هذه الاحتجاجات في تعميق المأساة التي باتت تعيشها إيران. إذ مازالوا على عهدهم القديم حيث يزعمون بوجود أيادٍ خارجية تقف وراء ما يجري، وكانوا فيما مضى ينسبون ما يحدث الى الموساد الاسرائيلي أو الى منظّمة مجاهدي خلق، أو قوى الاستكبار العالمي، وهذا سيؤدي الى تعقيد المشكلة أكثر، بل سيؤدي إلى تأزيمها.  فهذا "عصمة الله فالح بيش" رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية والأمنية في مجلس الشورى الإيراني يؤكّد على عمق الأزمة التي تعيشها إيران قائلاً: "يجب التحقيق في احتجاجات أصحاب المتاجر في طهران، لأن الكلّ قلق بشأن الوضع الاقتصادي، فهناك قلق بشأن رأس المال، كما أشار إلى سوء الإدارة التي كانت السبب في ظهور هذه المشكلات الأخيرة، وكان "فلاحت " قد قدّم لمحةً موجزة لما يتعرض له الاقتصاد الإيراني من مشكلات ومعضلات إلى مجلس الأمن القومي، ضمن الجلسة التي تشكّلت من سياسيين ووزراء على صلة بالأمن الاقتصاد الإيراني والمشاكل التي تواجهها إيران، وخرجوا بقرارات لم يتم الإفصاح عنها.  وسط هذه التطورات يستمر تراشق التهم بالفساد بين المسئولين الإيرانيين، وفي تقرير لوكالة "انصاف الاخبارية" نقل "حسين كروبي" عن لسان والده" مهدي كروبي" القابع تحت الإقامة الجبرية، والذي كان رئيساً لمؤسسة الشهيد آنذاك أنّ والده قال: أن وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر ولايتي متهم بالفساد والاستيلاء على المال العام، من خلال السطو على أحد الفلل الفخمة التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، حيث كان من الُمقرر أن يقوم "علي أكبر ولايتي" وزير الخارجية الإيرانية في تلك الحقبة بدفع قيمة هذه الفيلا على أقساط، إلّا أنه وبعد وفاة الخميني أعلن ولايتي أنّه سيحاسب القيادة على ما تبقّى من ثمن هذه الفيلا، ولم يدفع بعد ذلك الوقت شيئا لمؤسسة الشهيد.  أمام كل ما يجري تقف الحكومة الإيرانية في موقف صعب جدًا، لا تُحسد عليه، حيث دخلت كل أطياف الشعب في خط المواجهة مع الدولة والنظام، لكن وبسبب تباطؤ حكومة "روحاني" وفريقه الاقتصادي في الاستجابة، بدأوا يتهموا بعدم الأهلية والكفاءة، وأن كل ما يحدث يصبّ لصالح المرشد والحرس الثوري والسيد "خامنئي". فكل هذه الضغوط الذي يمارسها الناس كما تقول النخب المحسوبة على النظام، قد تتسبب بفقد السيطرة على بعض الأمكنة، لكن الدولة ما زالت تمسك بزمام المبادرة حتى الآن، فالنظام لن ينهار حاليًا، لكن يمكن التضحية بحكومة، ودفعها إلى حد الاستقالة.  الإيرانيون يَعزون السبب الرئيس في ارتفاع سعر الدولار، إلى العقوبات الاقتصادية، وتدخلات إيران في الحريق الإقليمي، وفي مغامراتها المجنونة في سوريا ولبنان وغزّة والعراق واليمن والبحرين، وأجزاء أخرى من العالم الذي استنزف قدرات الدولة ومواردها، وتهريب العملة الصعبة خارج البلاد، معتبرين الحرس الثوري الإيراني من أكبر مهربي العملات الأجنبية، والذي يعمل بشكل يومي في سوق صرف العملات داخل إيران فضلا عن ذلك، فإن رموز الجناح المحافظ والاصلاحي يقومان بإخراج المال المنهوب من الشعب لخارج البلاد لانهم لا يشعرون بالأمان في الداخل.  ويبقى السؤال المهم والمحوري هل لدى حكومة روحاني القدرة على مواجهة ما يحدث في الوقت الحالي؟ أم رفعت الراية البيضاء وباتت عاجزة عن فعل أي شيء؟  هناك حقيقة مفادها أن العقوبات على إيران لم تدخل فعلياً حيز التنفيذ، وبالتالي فهي لم تصل إلى السوق بعد، وسيتم تفعيلها بعد منتصف أغسطس، والمرحلة الأخرى من العقوبات ستدخل بعد ذلك في منتصف نوفمبر، وستعيش إيران ظروفاً اقتصادية ستكون صعبة جدا، ولا يمكن أبداً مقارنتها مع فترة العقوبات في الفترات الماضية، لا سيما إذا فرضت واشنطن عقوبات على النفط الإيراني، وعلى عملية تصديره، وهذا الأمر سيخلق مناخًا سيضع حكومة روحاني أمام مأزق غير مسبوق.  ربما يتمحور الصراع الداخلي اليوم بين الأجنحة السياسية في إيران، لأنه من ناحية يتم توجيه أصابع الاتهام نحو روحاني وحكومته، وتحميلهم مسئولية ما يجري، ومن ناحية أخرى يطالبونها بالاستقالة، ومن ناحية ثالثة، فإنها يتهمونها بالخيانة و الارتباط مع أيادي خارجية، ومع الاستكبار العالمي، في الوقت الذي يهيمن المرشد و الحرس الثوري على الاقتصاد الإيراني، في ظلّ معلومات شبه مؤكدة تدل على تورطهم بتهريب مبالغ كبيرة، قد تصل إلى عشرات المليارات إلى الخارج، والشعب الإيراني يقول ساخراً أن روحاني وفريقه الوزاري ما زالوا يبحثون عنها في صناديق البنك المركزي، وهي مقولة تعكس عمق المأساة والمأزق الذي تعيشه إيران اليوم، وجعل يردد معهم بعض التجار مقولة: "أن التومان الإيراني سيتم حرقه قريباً في شوارع إيران كما حدث في زيمبابوي".

وسوم: العدد 779