منهج الوالد الشيخ محمد علي مشعل في قراءة التاريخ الإسلامي

clip_image001_9cc4b.jpg

كان لوالدي #الشيخ_محمد_علي_مشعل رحمه الله عناية خاصة بالتاريخ الإسلامي حتى أصبح مدرسة في هذا الموضوع، وكانت جهوده موجهة بالدرجة الأولى إلى تصحيح المنهج، وإعادة عرض التاريخ بما يتسق مع هذا المنهج ويؤيده. ومن أبرز معالم هذا المنهج ما يأتي: 

المَعْلَم الأول: تبرئة الصحابة مما جرى بينهم من أحداث: 

1- اعتنى الوالد بتمحيص أحداث الفتنة في العصر الأول بدءًا من طعن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وانتهاء بمقتل الحسين رضي الله عنه، وما جرى بين الحدثين من الأمور العظيمة بين الصحابة. وكانت رسالته في كل ما سبق تبرئة الصحابة عما جرى بينهم وتنزيه اللسان عن الطعن في أحد من الصحابة وتمحيص الأحداث وتوجيهها لتحقيق هذه الغاية. 

2- وأذكر أنه عندما بدأ التدريس في المعهد العلمي بالمدينة المنورة في عام 1980م لاحظ أن كتاب التاريخ المعتمد للتدريس في المرحلة المتوسطة كان متأثرًا بالروايات المشهورة التي تشوه حادثة التحكيم في معركة صفين؛ رغم سلامة المنهجية العلمية لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إلا أن قلة من المؤرخين والباحثين المعاصرين وُفقوا إلى الصواب في أحداث الفتنة. وقد استدرك الوالد وكتب للجامعة وتم التصحيح. وأذكر أنني كنت من الدارسين للكتاب القديم ووجدت في نفسي تجاه بعض الصحابة بسبب بعض الروايات التاريخية المدسوسة. 

3- وقد عرض الوالد هذا الموضوع في سلسلة من الدروس العامة في سورية في السبيعنات، والحلقات في المدينة وجدة ومكة في الثمانينات والتسعينات حرصًا منه على نشر الوعي وتجنيب الشباب الانزلاق والوقوع في الصحابة. وكتب مذكرة تتناول سيرة الخلفاء الراشدين وتمحيص أحداث الفتنة وتبرئة الصحابة، وقد اعتنيت بتلك المذكرة في طبعتها الأولى، فكنت أعود لقراءة النصوص التاريخية المتضاربة في مصادرها الأصلية وأدركت كيف أن الوالد رحمه الله كان لديه حاسة خاصة عند التعامل مع الروايات التاريخية يُدرك من خلالها الروايات المدسوسة ثم يؤيد ذلك بالقرائن والدلائل. وقد أعدنا العناية بالمذكرة من جديد، ونسأل الله أن يوفقنا لنشرها في القريب العاجل إنه سميع مجيب. 

المَعْلَم الثاني: تقدير الخلافة الإسلامية عبر العصور:

4- كان من منهجه تربية الناشئة والخاصة والعامة على تقدير الخلافة الإسلامية عبر العصور وذكر محاسنها ومآثرها والذود عنها والرد على من يحاولون تشويه تاريخ الخلفاء والخلافة الإسلامية بإبراز وتضخيم أو تزوير بعض الأحداث. وقد اعتنى الوالد رحمه الله بالفتوحات الإسلامية وعقد سلسلة من الدروس في هذا الموضوع في السبعينات وأذكر أنني حضرت بعضها وأنا صغير وما زال يعلق في ذهني كيف يُصوِّر الوالد رحمه الله المعارك بتعبيرات ونبرات خاصة تشد المتابع وتجعله يعيش المعركة بكل تفاصيلها. 

5. وكان يهتم بذكر فضائل أبرز الخلفاء من بني أمية وبني العباس وبني عثمان، ويتوقف كثيرًا عند الخلفاء الذين حاول التاريخ تشويه صفحاتهم مثل الخليفة الأموي معاوية رضي الله عنه، والخليفة العباسي هارون الرشيد رحمه الله، والخليفة العثماني عبدالحميد الثاني. وكان له عناية خاصة وقراءات معمقة لمرحلة سقوط الخلافة العثمانية وبيان دور جمعية الاتحاد والترفي في هذا الموضوع وأذكر أنه عرض هذا الأمر في سلسلة من الدروس في السبعينات، وكان بين يديه آنذاك كتاب اسمه "الرجل الصنم".

المَعْلم الثالث: التمييز بين رموز الأمة وصنائع الاستعمار

وهناك معلم ثالث لمدرسة الوالد التاريخية يخص التمييز بين رموز الأمة الحقيقيين والرموز الذين صنعهم الاستعمار وأصبحوا في المناهج الدراسية بينما غاب الرموز الحقيقيون أو ذكروا على استحياء أو شوهت صورتهم في ذاكرة الناشئة من خلال المناهج.

وكان من ثمرات هذا المنهج هو بناء شخصية متوازنة واعية تعتز بتاريخ الأمة الإسلامية وصفحاته المضيئة، وأن الانتماء لهذه الأمة عز ورقي وحضارة.

وسوم: العدد 780