تل أبيب وطهران تختبران روسيا في سوريا
تمتلئ الصحافة الإسرائيلية مؤخراً بعناوين حول صفقة بين تل أبيب وموسكو لإخراج إيران من سوريا. وفقاً لما ورد في صحيفة هآريتس، تمّ تخصيص الاجتماع الذي جرى في ١١ يوليو الحالي بين كل من بوتين ونتنياهو لمناقشة الطلب الإسرائيلي المتمثل بضرورة مغادرة القوات الإيرانية لسوريا. وتؤكّد التصريحات التي صدرت عن مسؤولين روس وإيرانيين خلال الأسبوع الماضي ردّاً على هذه الأخبار، أنّ هناك شيئا ما بالفعل يتم مناقشته بهذا الخصوص.
شرعت تل أبيب في بداية الأزمة السورية في تجاهل النفوذ الإيراني المتزايد داخل سوريا، كما غضّت الطرف عن تدفق الميليشيات الشيعية، وأمّنت -من خلال اتفاق غير مكتوب- ظهر حزب الله في لبنان،
لم تكن لدينا مشكلة مع عائلة الأسد -فترة حافظ، وابنه بشار-، فعلى مدار أربعين عاما لم تطلق رصاصة واحدة في هضبة الجولان.
مانحةً إياه القدرة على التمدد بحريّة في الاتجاه المعاكس داخل الأراضي السورية دون أن يخشى هجوماً عسكرياً من قبل تل أبيب من الخلف. خلال تلك المرحلة، حدّدت إسرائيل خطوطها الحمراء، وحافظت على إنفاذها من خلال لجوئها المتزايد إلى القوة الصلبة، لاسيما مع تراجع تنظيم داعش وتزايد النفوذ الايراني.
الإبقاء على الأسد في الحكم كان هدفاً مشتركاً للطرفين، وربما كانت إسرائيل تراهن على أنّ تدخل إيران للحفاظ عليه سيستنزف طهران ويضعف الأسد في نفس الوقت، وهو ما سيصب في صالحها في جميع الأحوال. ولعل ما تطالب به إسرائيل اليوم هو خير دليل على صحّة مثل هذا التشخيص. ففي تصريحات جديدة لنتنياهو، قال الأخير: "لم تكن لدينا مشكلة مع عائلة الأسد -فترة حافظ، وابنه بشار-، فعلى مدار أربعين عاما لم تطلق رصاصة واحدة في هضبة الجولان"، مؤكداً على أنّه لن يكون هناك مشكلة مع بشّار لكن سيكون على إيران الرحيل.
تؤمن إسرائيل بأنّ روسيا قادرة على تحقيق هذا المطلب، أو ربما تعتقد أنّها اللاعب الأكثر أهليّة لتحقيق هذا الأمر. في المقابل، هناك من يعتبر بأنّ موسكو لا تستطيع إجبار طهران على الخروج من سوريا بسبب التفوق العسكري الإيراني على الأرض، وأنّ كل ما تستطيع روسيا فعله هو دفع إيران بالإضافة إلى ميليشياتها بعيداً عن المناطق الحدودية إلى داخل العمق السوري. لكن حتى في هذه الجزئية، يشكك البعض بمدى قدرة روسيا على تنفيذ ذلك، بدليل أنّ الميليشيات الشيعية المحسوبة على إيران شاركت في العمليات التي شنها جيش الأسد مؤخرا على الحدود مع الأردن.
وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف كان قد اعتبر في تصريحات له بداية هذا الشهر بأنّه ليس من الواقعي توقع انسحاب إيران من سوريا، مشيرا إلى أن مناقشة الموضوع الإيراني في وسائل الإعلام الغربية تتم في سياق مبسّط للغاية. البعض فسّر هذا الكلام على أنّه تأكيد على عدم قدرة و/أو ربما رغبة روسيا في إخراج إيران من سوريا، فيما فسّره البعض الآخر على أنّه محاولة لرفع الأثمان مقابل تأدية هذه المهمّة. ربما لا تمتلك موسكو بالفعل قوات كافية في سوريا لإجبار إيران على الانسحاب، لكن من قال إنها تعدم الأوراق اللازمة لتحقيق هذا الهدف فيما لو أرادت هي ذلك؟
في هذا السياق، فإنَّ السؤال الجوهري باعتقادي لا يتعلق بمدى قدرة موسكو أو عدم قدرتها، بقدر ما يتعلق بمدى وجود مصلحة لدى موسكو في فعل ذلك أم لا، ومقابل ماذا بالتحديد؟. وفقاً لمجلة نيويوركر، اقترحت إسرائيل، بالإضافة إلى كل من الإمارات والسعودية، على ترامب، أن يقوم بإلغاء العقوبات التي فرضتها الولايات المتّحدة على موسكو بعد احتلالها لجزء من أوكرانيا وضمها شبه جزيرة القرم إليها، وذلك مقابل إخراج إيران من سوريا.
إن استجابت موسكو لطلبات تل أبيب، خاطرت بالبقاء معزولة لوحدها داخل سوريا قبل اكتمال المشهد النهائي الذي يضمن بقاء نفوذها هناك.
سبق أن تمّ تناول هذه الفكرة إلى جانب أفكار أخرى قريبة منها كتعزيز العلاقات الاقتصادية السعودية والإماراتية مع موسكو مقابل تحقيق هذا الغرض. لكن إلى الآن، لا تبدو روسيا مقتنعة بها على اعتبار أنّ هذه الأطراف مضطرّة في نهاية المطاف إلى الإبقاء على علاقات دافئة معها وإلى تقديم التنازلات بسبب الملف الإيراني، وما إن يذهب هذا الملف حتى تصبح الحاجة إلى موسكو أقل.
ومع ذلك تبدو موسكو في مأزق إلى حد ما، فان لم تستجب للطلبات الإسرائيلية، فانّ تل أبيب ستستمر على الأرجح في إنفاذ خطوطها الحمراء بنفسها عبر الضربات الجوية ضد مواقع إيرانية في سوريا. مثل هذا الأمر يضع روسيا -من وجهة نظر إيرانية- في موقع، إمّا الضعيف غير القادر على إيقاف إسرائيل، او المتواطئ الذي يسمح لإسرائيل باستهداف إيران. وإن استجابت موسكو لطلبات تل أبيب، خاطرت بالبقاء معزولة لوحدها داخل سوريا قبل اكتمال المشهد النهائي الذي يضمن بقاء نفوذها هناك.
في المقابل، تصر إيران، بشكل متوقع، على أنّها باقية في سوريا، وكذلك الأمر في العراق. في تصريحاته الأخيرة من موسكو، أعلن مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي أنّ الوجود الإيراني العسكري في البلدين استشاري فقط، وأنّ طهران ستبقى موجودة هناك طالما لم تطلب السلطات في سوريا والعراق منها الانسحاب. في هذا التصريح رسالة إلى روسيا أيضاً مفادها أنّ حكومتي البلدين تعيان أنّه لولا التدخل الإيراني لما بقيتا حتى اليوم، وبالتالي فان بقاء موسكو مرهون كذلك ببقاء حليف إقليمي قوي فيهما. حتى الآن تدير موسكو هذه اللعبة بشكل مقبول، لكن من المتوقع أن يزداد الضغط عليها مع ازدياد معسكر المنزعجين من التواجد الإيراني العسكري هناك إقليميا ودولياً، وهو الأمر الذي سيحتّم على روسيا أن تختار نهاية المطاف حيث لا مكان للمواقف الوسط.
وسوم: العدد 781