بين بشار الأسد ودي مستورا شعرة معاوية
إعادة نشر في ضوء تصريحات
ديمستورا الأخيرة حول إدلب
يشير عنوان هذه المقالة ، إلى الموقف الرمادي والضبابي للممثل الأممي ستافان دي مستورا في مفاوضات جنيف 3 بين وفد المعارضة السورية ووفد نظام بشار الأسد ، والذي كان يعكس حقيقة التوافق الأمريكي - الروسي حول سوريا . لاشك أن السيد دي مستورا يعلم أن بشار الأسد قد قطع
من جهته شعرة معاوية التي كانت تربطه بالشعب السوري منذ 18 آذار 2011 حين أعطى الأوامر لجيشه العقائدي ، وقواه الأمنية ، العقائدية بدورها ، بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين في مدينة درعا ، الذين تمثلت مطالبهم يومئذ ب (الحرية والكرامة)، وقتلت اثنين منهم يوم (8 1 آذار ) ثم قتل أربعة آخرين في اليوم التالي ( 19 آذار ) أثناء قيام الأهالي بدفن الشهدين الأولين في مقبرة درعا ، فوضع بشار بهذا السلوك الأمني حجر الأساس لدفع هذه المظاهرات السلمية نحو العنف ، ولانتقالها من محافظة درعا إلى المحافظات السورية الأخري التي كانت تعاني بدورها من عسف النظام و من غياب الحرية والكرامة . ( لقد وثق المغني السوري السيد سميح شقير هذه اللحظات المؤسفة والمؤلمة بأغنيته الشهيرة " ياحيف " ).
لقد كان على الأمم المتحدة ، المفترض أنها راعية السلام العالمي وحقوق الإنسان ، أن تقطع هي وبالتالي ممثلوها في دمشق وآخرهم السيد دي مستورا هذه الشعرة مع بشار الأسد ونظامه ، ويعلنون انحيازهم الكامل للحق والعدل ، أي للشعب السوري المظلوم ، ولثورته الشعبية الديموقراطية ، ثورة الحرية والكرامة ، وليس حرصهم على بقاء هذه الرابطة الخفية والناعمة مع نظام الأسد ، والتي فضحتها اللقاءات والتوافقات السرية والعلنية بين جون كيري ولافروف ، والتي وجدت انعكاسها على موقف الأمم المتحدة الرمادي والضبابي من المسألة السورية ، وبالتالي من مفاوضات جنيف التي قادها ممثلوها ، بدءاً من جنيف1 ووصولاً إلى جنيف3 التي يقودها دي مستورا موضوع هذه المقالة .
إنني كمعارض سوري ، أرغب أن أضع بين يدي السيد دي دمستورا بعض الحقائق التي نتمنى عليه أن يعرف من خلالها لماذا ترفض المعارضة أن يكون لبشار وشبيحته دورفي المرحلة الانتقالية التي وضع مدماكها الأول السيد كوفي عنان عام 2012 في جنيف 1 ، والتي نأمل من دي مستورا أن يسير على هدي خطا كوفي عنان وليس على وقع خطا جون كيري ولافروف. هذه الحقائق المعنية هي التالية:
1.لايخفى على السيد ديمستورا إن النظام السوري الراهن ، نظام بشار الأسد الذي تعود جذوره إلى الحقبة التاريخية 193 ـ 1970 هو نظام عسكري وراثي عائلي و طائفي ، و إنه وبسبب هذه البنية السياسية والاجتماعية كان نظاماً ديكتاتوريا قمعيا وفاسداً ، وكان بالتالي النقيض الفعلي لمبدأ المواطنة والعيش الأخوي المشترك الذي طبع الحياة السياسية والاجتماعية في سوريا على مدى قرون
2. نعم لقد أفسد حافظ الأسد ووريثه بشار الصورة الوردية للحياة الإجتماعية في سوريا عندما قررت قواه العسكرية والأمنية ، وبأوامر مباشرة منه ، إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين في مدينة درعا والذين تمثلت مطالبهم التي جسدتها شعاراتهم وهتافاتهم بمطلبي الحرية والكرامة والتي وصفها بشار نفسه بأنها مطالب مشروعة .
إن مبادرة نظام بشار الأسد بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين وقتل عدد منهم يومي 18 و19 آذار 2011 ، في مدينة درعا ‘ تجعله المسؤول الأول والأخير عن تحول هذه المظاهرات السلمية والمطلبية إلى ثورة شعبية عارمة عمّت معظم المحافظات السورية ، وأوصلت سوريا إلى هذه الجنيفات التي عرفنا بدايتها ، أمّا نهايتها فلا يعلمه إلاّ الله .
3. في خطابه الأول آمام ( مجلس الشعب ) بتاريخ 30.03.2011 أي بعد أن عمّ الحراك الثوري معظم أنحاء سوريا ، وبعد أن زاد عدد الشهداء عن المائة، خلال أيام معدودات وصف بشار المتظاهرين السلميين ب " العصابات المسلحة "، وحدد عددهم ب 64 ألفاً ، ثم رفع هذا العدد في كلمته لاحقة له أمام مجموعة دينية من الرجال والنساء في أواخر نيسان 2014 إلى الملايين ( لو كانوا مليون منقول ملايين) وغير اسم العصابات المسلحة إلى "الإرهابيين" ولا يحتاج المرؤ إلى كثير من الذكاء لكي يعرف أن المقصود بهذا الرقم ( ملايين الإرهابيين ) هم العرب السنّة في سوريا تحديداً ، وأن إيراد هذا الرقم على هذا النحو الدرامي ، إنما أراد منه أن يعطي لنفسه الحق ، من جهة ، في استخدام كل أنواع الأسلحة الفتّاكة ، بما في ذلك ، الأسلحة المحرمة دولياً وفي مقدمتها ، السلاح الكيماوي ، ومن جهة أخرى ، في استدعاء قوات عسكرية خارجية مؤيدة لبقائه في السلطة " إلى الأبد " ، وهو ماحدث فعلاً على أرض الواقع ، حيث توالى وصول هذه القوات لحمايته والدفاع عنه ، بدءاً من قوات ولي الفقيه ، وانتهاءً بسوخوي بوتين ،مروراً بكافة الميليشيات الطائفية التي هرعت لحماية (مقام السيدة زينب !!) من كل حدب وصوب .
4. إن دخول وتدخل القوات الإيرانية وعدد من القوات التي تدور في فلكها وتتلقى المال والسلاح والتدريب والأوامرمنها ، وكلها جاءت إلى سوريا بدوافع طائفية معلنة ومكشوفة قد مثل المناخ السياسي والاجتماعي المناسب لظهور التطرف الطائفي المقابل الذي تجسد بظهور " داعش " التي كانت بالنسبة لكافة فصائل الثوار" الإسلامية " ، أشبه بنبات الزيوان الذي يجده الفلاحون في حقول القمح والذي يبادرون إلى تنظيف حقولهم منه قبل وصولها إلى البيدر . إن ظهور داعش عام 2014 في سوريا ، كان بمثابة " مسمار جحا " الذي سمح لكل من هب ودب ( وبمن فيهم العلمانيون ) أن يدعي صلته بآل البيت ، ( وآل البيت منه براء ) ثم يصطف إلى جانب بشار الأسد لمقاتلة الثوار، و قتل الأطفال والنساء والشيوخ في سورية ، وذلك ( لكي لاتسبى الست مرتين !!) .
ومما زاد طين الأوضاع في سورية بلة دخول قوات روسيا العلمانية ، بصواريخها وطائراتها الحربية على الخط في سوريا ، والتي قوبلت بصمت عالمي مشبوه ( موافقة ضمنية ) شمل حتى ماعرف بأصدقاء الشعب السوري وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية . و نترك لإحصاءات الأمم المتحدة الرسمية وشبه الرسمية التي يعرفها العرب والعجم وجون كيري ولافروف ، أن تتكلم عن النتائج المرة لهذا العدوان " الثلاثي "على الشعب السوري ( بشار ، ولي الفقيه ، بوتين ) والتي ( النتائج المدمرة ) شملت البشر والحجر والشجر ولم يسلم منها حتى الحمير ، والتي تنمو أرقامها كل يوم بل كل ساعة ، بحيث يصعب متابعتها وضبطها ، ولاسيما بعد دخول السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة وطائرات السوخوي على خط أقذر حروب التاريخ الحديث ، التي تمثل الصراع بين الطائرة الورقية التي يلعب بها طفل صغير بريء ، وطائرة السوخوي التي أرسلها المجرم بوتين لقتل هذا الطفل .
( قبل أن أتابع مراجعتي وتصحيحي لهذه المقالة ، توقفت قليلاً لمشاهدة نشرة أخبار إحدى الفضائات . لم أستطع متابعة مناظر التدمير المرعبة في حلب وأنا أسمع صراخ تلك الطفلة التي لايزيد عمرها على سنتين ، وهم يحاولون إخراجها ً
من تحت الركام الذي خلفته إحدى طائرات المجرم " بوتين " ، أغمضت عيني وبكيت إلى أن غاب الصراخ ، نعم لقد ماتت الطفلة ومات معها ضمير العالم المسمّى زوراً " المتحضر" صانع ومستخدم هذه الطائرة التي قتلت الطفلة !!. ).
5. إنه لمما يؤسف له ، أن يقف ممثلو الديموقراطية الأوروبية والأمريكية متفرجين على ما يرتكبه نظام بشار الأسد وشركاه بحق أطفال سوريا ، بل ويسيرون على خطا بوتين وولي الفقيه في دعمهم المباشر وغير المباشر لنظام بشار الأسد الفاشي ، تحت ذريعة الخوف من البديل الديموقراطي . لقد حفظنا ونحن في المدرسة الإبتدائية ، الحديث الذي يقول : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " ، ومن غرائب الأمور أن إخواننا في الدول المتطورة ، ( أوروبا وأمريكا تحديداً ) يحبون الديموقراطية لأنفسهم فقط ، ويمنعونها عن إخوتهم في الإنسانية في البلدان النامية . ومنها الجمهورية العربية السورية . إنه لبئس الديموقراطية ، تلك التي تسمح لأصحابها أن يتفرجوا على جثث الأطفال السوريين الذين كانوا طعماً لسمك القرش في البحار والمحيطات التي تقصل بين ديموقراطياتهم ودكتاتورياتنا ، دون أن يقولوا للمجرمين والقتلة ، وبصورة كاملة الجديّة " كفاية " .
6. في مفاوضات جنيف 3 الأخيرة ، والتي قادها الممثل الأممي ، ستيفان دي مستورا ،لاحظ كثيرمن المتابعين لمجريات هذه المفاوضات، وأنا واحد منهم ، أن السيد ديمستورا يضع رجلاً هنا ورجلاً هناك ، رجلاً عند المعارضة ورجلاً عند بشار الأسد ، وكانت أقواله وتصريحاته تبطن أكثر مما تظهر ، وتنتظر الأوامر والتعليمات من موسكو وواشنطون وليس من حقائق ما يجري على الأرض في حلب ومعرة النعمان ودوما وداريا وحمص و...، وانعكاساتها على مفاوضات جنيف ، ولعل هذا هو السبب الحقيقي وراء فشل تلك المفاوضات. فالمقدمات الخاطئة لايمكن أن يصدر عنها نتائج صحيحة . إن إشكالية السيد دي مستورا أنه كان يسير على وقع خطا لافروف وجون كيري في خشيتهم على حليفتهم في المنطقة ( الشرق الأوسط ) " إسرائيل " من البديل الديموقراطي لنظام بشار الأسد في سورية ، الأمر الذي معه اصبح القضاء على الثورة السورية السورية ،ولو باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً مقبولا ومبررا ، لدى الدول صانعة هذه الأسلحة ويستحق ماشئت من الجنيفات ( جنيف 3 ، 4 ، 5 ، ...الخ )، سواء بنظر السيد دي مستورا أو بنظر السيدين لافروف وجون كيري .
يبدو أن السيد دي مستورا ، وأيضاً السيدين جون كيري ولافروف لا يعرفون المثل الشعبي العربي الذي يقول "حساب السرايا لا ينطبق على حساب القرايا" ، ومن المفيد للسيد دي مستورا ـ حسب رؤيتنا ـ أن يعرف ويحفظ هذا المثل الشعبي ، فقد يفيده في مهمته إذا مابقي مصرا على البقاء في سوريا ، وليس أخذ موقعه الطبيعي إلى جانب زميليه السابقين ، كوفي عنان والأخضر البراهيمي ، إن مسك العصا من منتصفها ، ياسيد ديمستورا ، ومطمطة الحل إلى أن ترفع المعارضة الراية البيضاء وتقبل بمقولة " لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم " التي استلهمها من السيدين لافروف وجون كيري أي عملياً ، أن تقبل ببقاء بشارالأسد في السلطة إلى أجل غير مسمى ، وتقبل أن تتشارك معه في حكومة مختلطة جديدة . وليذهب بعد ذلك كل إلى"منزله " ( رحم الله أبا الطيب القائل : لك يامنازل في القلوب منازل ) و " يادار ما دخلك شر"، و هو مايمثل المضمون الحقيقي تطبيقياً ل " الحل السياسي" المطروح .
لا ياسيد دي مستورا، الدارمليئة بالشرورالتي دونها شرور باندورا ، والمنازل مهدمة كلها ،وأصحابها لم يعودوا موجودين ،لأن بشار قد قتل وهجرهو ومرتزقته معظمهم(أكثر من نصف سكان سوريا هم الآن بين قتيل وسجين ومهجر ومفقود) ، والبنية التحتية التي لايمكن العيش بدونها قدباتت أثراً بعد عين . ومن الأفضل لك إذن أن تبحث عن حل يرضي الله ويرضي الشعب السوري ، بدلاًمن الحل الذي تسعى عبثاً إليه ، ألا وهو الحل الذي يرضي " جميع الأطراف " ، ولكنه واقع الحال لايرضي أحدا . ومع كل الاحترام اسمح لنا أن نقول لك ياسيد دي مستورا : إذا كنت عاجزا عن قول "كلمة الحق " ، فنرجو ألاّ تكون عاجزاً عن سماع أغنية سميح شقير " ياحيف " ، وليس فقط سماع مايمليه عليك ثنائي كيري ـ لافروف . إقطع شعرة معاوية مع بشارالأسد وتوكل على الله .
وسوم: العدد 788