لنتخلص من لعنة أوسلو القاتلة !

حماد صبح

كان سهلا توقع أن اتفاق أوسلو سيكون كارثيا على الشعب الفلسطيني وقضيته من بداية الإعلان عنه في سبتمبر 1993 حين وصفه شيمون بيريز المشرف الرئيسي عليه من الجانب الإسرائيلي بأنه " كتب من ألفه إلى يائه بيد إسرائيلية " ، وبأنه " أعظم إنجاز للصهيونية منذ قيام الدولة " ، وخلفية الوصف الثاني أن بن جوريون أستاذ بيريز وأول رئيس وزراء إسرائيلي كان يرى أنه " لا فائدة من جميع انتصاراتنا عليهم ما لم نحصل على توقيعهم " أي توقيع الفلسطينيين خاصة والعرب عامة على نسبة ال78 % من الأرض الفلسطينية التي أنشئت عليها إسرائيل في 1948 . ولم يكن لعربي أن يوقع على ذلك ، فتركزت المطاردة على الفلسطينيين لخطف توقيعهم الثمين ، وهو ما تم في اتفاق أوسلو . اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بشرعية وقانونية سيطرة إسرائيل على تلك النسبة الكبيرة من الأرض الفلسطينية ، مقابل ماذا ؟! مقابل اعتراف إسرائيل بها ممثلا للشعب الفلسطيني ، أي جهة للتنازل عن الحقوق الوطنية الفلسطينية ، ولننتبه هنا إلى أن القانون الدولي لا يعترف إلا بالاتفاق بين دولة ودولة ، ولا يعترف بالاتفاق بين دولة ومنظمة . وأثناء جولات المفاوضات للوصول إلى الاتفاق استحضرت منظمة التحرير إلى تونس الكاتبين الكبيرين الراحلين _ رحمهما الله _ محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين للاستضاءة برأيهما ، وكان رأي هيكل أن الاتفاق إن لم يؤدِ إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة في الضفة فستكون دماء الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى ذهبت هدرا . وأدى الاتفاق مثلما نرى إلى حكم ذاتي هو الأهزل بين كل أنواع الحكم الذاتي المعروفة ، وفي وسعنا الزعم أن الحكم الذاتي الذي جلبه السادات _ رحمه الله _ للفلسطينيين على هامش اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل أحسن من الحكم الذي جلبته عليهم منظمة التحرير ، ويكفي أنهم لم يقدموا أي تنازل في الحكم الذي جلبه السادات ، وأنه ، الحكم ، كان ناتجا عن وزن مصر الكبير في ذلك الحين ، وعن رغبة إسرائيل المحمومة في إزاحة ذلك الوزن من دائرة الصراع معها ، أي أنها لم تكن لتضحي بسانحة الصلح مع مصر بتشدد زائد في ذلك الحكم . أبو عمار وصف الاتفاق بأنه متعادل في  جودته ورداءته ، وهو في الحق ليس كذلك ، بل هو مثلما حدد الكاتب المغربي عبد الإله بلقزيز ماهيته " أسوأ اتفاق وقعته حركة وطنية في التاريخ " ، ويحسب لحركة الجهاد الفلسطينية أنها بادرت في أدبياتها إلى وصفه بالنكبة الثانية ، وهو وصف يحدد سلبيته الهائلة على الجانب الفلسطيني ، ويعادل وصف بيريز له في إيجابيته الهائلة على الجانب الإسرائيلي . قال الصهاينة إن دولتهم ستقوم وتدوم بأساليب ثلاثة : القوة ، والسياسة ، والخديعة ، وأوسلو كان تنفيذا عمليا كبيرا للخديعة ، وعيوبه التي تكشفت بعد تطبيقه وأوصلتنا إلى الحالة الصعبة المنغلقة التي نعيشها الآن ؛ كثيرة ، وأشدها سوءا أنه :

أولا : فتح الباب واسعا لعشرات الدول ، ومنها دول عربية ، للاقتراب من إسرائيل إلى مستوى الاعتراف بها تقديرا من بعضها بأن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين في سبيله إلى الحل ، وتقريرا من بعضها بأنها لن تكون فلسطينية أكثر من الفلسطينيين .

ثانيا : في تقسيمه الثلاثي للضفة خص القسم ( ج ) ب 60 % من مساحتها ليكون خاضعا مدنيا وأمنيا لإسرائيل تفعل فيه ما تشاء ، وتمنع الفلسطينيين من البناء فيه إلا بموافقتها الضيقة جدا والنادرة جدا التي لم تتعد حوالي 8 % من طلبات تراخيص البناء الفلسطينية فيه ، وهدمت ما بنته بعض الدول الأوروبية للفلسطينيين في نطاقه ، فتوسع الاستيطان ، وتضاعف عدد المستوطنين حتى أصبح 600 ألف دون حساب مستوطني القدس .

ثالثا : تحريم حيازة السلاح في الضفة وغزة إلا ما اتفق عليه للأجهزة الأمنية الفلسطينية التي شكلت وفق الرؤية الإسرائيلية التي يقتضيها الأمن الإسرائيلي لا الأمن الفلسطيني . وما زالت السلطة الفلسطينية ، وهي لا تستطيع سوى هذا ، تحرم حيازة السلاح في الضفة ، وهذا التحريم عقبة كبرى من عقبات المصالحة الفلسطينية لاستحالة تنفيذه في قطاع غزة بعد 11 عاما من التسلح المقاوم ، وبعد ثلاث حروب لم تجرؤ إسرائيل في ثالثتها ، 2014 ، طوال 51 يوما على اقتحام القطاع بريا بسبب ذلك التسلح ، وهو ما يمنعها الآن منه . باختصار : أوسلو كان لعنة فلسطينية ، ونعمة إسرائيلية ، وحان منذ زمن بعيد وجوب التخلص منه ، وهو اليوم أشد وجوبا وضرورة ، ولا جدوى لأنصار أوسلو في السلطة الفلسطينية من مواصلة ركوب  حصان ميت ، والتلويح من فوق ظهره بسوط العقوبات لغزة وحماس ، وتجاهل العدو الحقيقي بادعاء أن غزة وحماس تعوقان "المشروع الوطني " فعل من يتظاهر بالبحث عن أثر الذئب والذئب بين عينيه . نعلم أن تخلص أنصار أوسلو منه ليس سهلا ، وسيكلفهم وجودهم السياسي ، وربما حياتهم إلا أن في التخلص منه إنقاذا للشعب الفلسطيني وقضيته  ، وهذا أهم من أنصار أوسلو .

وسوم: العدد 790