الاعتقالات السياسية لدى العرب والعجم
المتتبّع للاعتقالات السيّاسية في إيران وتركيا والسّعودية ومصر، يقف على جملة من الملاحظات، ومنها:
لو أعلم أنّ دولتي الجزائر تعتقل الآن لأسباب سياسية، لانتقدتها بشدّة واستنكرت عليها الفعل غير آسف ولا نادم.
ليقل الحاكم أيّ حاكم - أقول أيّ حاكم - عن اعتقالاته السّياسية ما شاء، وليستعن بالفقهاء والمثقفين والإعلاميين فتلك طبيعته، لكن المثقّف الحرّ الأصيل لا يبرّر لأّي حاكم، ولا لأيّ فقيه، لأنّه ليس تبعا لأّي نظام ولا حاكم ولا فقيه.
لا أعرف الذين اعتقلتهم السّعودية لأسباب سياسية، لكن أعرف واحدا منهم رفض أن يقوم للنشيد الوطني الجزائري حين زار الجزائر، واستنكرت عليه الفعل وكتبت عنه عبر صفحتي حين اعتقل وهو الضيف وما كان للضيف أن يسئ للضيوف، وأظلّ أحترم موقفه لو فعل ذلك في أرضه ووطنه ومع نشيده الوطني، لكن رغم ذلك أقف معه لأنّه اعتقل اعتقالا سياسيا، واختلاف المرء مع غيره في قضايا معيّنة يجعله يقف معه حين يعتقل اعتقالا سياسيا، بغضّ النظر عن طبيعة الاختلاف.
لا أعرف الذين اعتقلتهم مصر لأسباب سياسية، لكن أعرف "محمد مرسي" والذي أختلف معه كثيرا من الناحية السياسية من حيث الوسيلة والهدف، لكن أظلّ أقف معه لأنّه اعتقل اعتقالا سياسيا وهو الرئيس المنتخب، وما كان للرئيس المنتخب أن يسجن ويهان ولو اختلفنا معه. ونظلّ ندعو لمحمد مرسي الرئيس المنتخب أن يطلق سراه ونحن الذين نختلف معه غير نادمين ولاآسفين.
لا أعرف طبيعة المعتقلين سياسيا في تركيا وإيران وإلا لأظهرت موقفي علانية ولكتبت عنهم غير نادم ولا آسف، لكن يبقى المرء على ثباته واستنكاره للاعتقالات السّياسية بغضّ النظر عن طبيعتها ورؤية القائمين عليها والداعين لها والمبرّرين لها.
موقفنا نابع من نبذ واستنكار الاعتقالات السياسية من أيّ حاكم أو دولة أو نظام أو مجتمع أو فقيه أو مثقف، ويبقى اختلافنا مع الأشخاص المعتقلين قائما ما دامت دواعيه قائمة، لكن يبقى التعاطف معهم لأنّهم اعتقلوا اعتقالا سياسيا.
قرأت هذا الأسبوع ومن قبل بيانات تنديد بالاعتقالات، فالموالون لتركيا استنكروا الاعتقالات في السّعودية ومصر، والموالون للسّعودية استنكروا الاعتقالات في تركيا وإيران، لكن المثقف الحر الأصيل لا يستثني أحدا ويظلّ يستنكر الاعتقالات السّياسية في مصر والسّعودية وتركيا وإيران وغيرها وفي أيّ مكان ومن أيّ كان.
لا تكمن أبدا الشّجاعة في انتقاد الخصم و المعارض وبأنّه يعتقل لأسباب سياسية، بل تكمن الشجاعة في نقد الإبن والأخ والحليف والصديق على اعتقالاته السّياسية، ومن استثنى فقد أفسد، ولا يختلف في شيء عن الذي اعتقل لأسباب سياسية وبرّر لها.
حين يتعلّق الأمر بحرية الإنسان وانتهاك حرمة الإنسان، لا أفرّق حينها بين من يعتقل 40، أو يعتقل 400، أو يعتقل 4000. ومن مظاهر التبرير للفساد وتثبيته التي قرأتها هذه الأيام، الافتخار بكون اعتقال 40 لا يعني شيئا باعتبار الدولة التي يواليها اعتقلت هذا العدد "الضئيل جدّا !"، بينما اعتقال 4000 جريمة لا تغتفر، وفي نفس الوقت الموالون لمن اعتقل 4000 لا يتحدّثون عنها ويسلّطون غضبهم على من اعتقل 10. و المثقّف الحرّ الأصيل ينتقد اعتقال الإنسان لأسباب سياسية، ولا يفرّق بين اعتقال شخص واحد أو عشرة، أو مائة، أو ألف، فالإنسان كريم لا تمسّ كرامته.
وسوم: العدد 790