الطغيان العربي وصفة لحروب أهلية لا تنتهي

في مقابلة له مع موقع «بلومبرغ» الإخباري الأمريكي شبّه وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان ما يفعله في بلاده

منذ تولّيه سدّة السلطة بما جرى في أمريكا نفسها إثر إلغاء الرئيس إبراهام لنكولن للعبودية، واعتبر ما يحصل في المملكة «ثمنا صغيرا» يجب دفعه لتحقيق ما يربو إليه.

لا يطابق هذا التشبيه واقع الحال بالتأكيد، فلا محمد بن سلمان هو إبراهام لنكولن، ولا هدفه نشر الديمقراطية وقيم التسامح والإنسانية والحقوق المدنية، ولكنّ التشبيه مخيف مع ذلك فما دفعته أمريكا نتيجة قرار إلغاء العبودية أدى إلى حرب أهلية قتلت قرابة مليون شخص.

الحقيقة أن طروحات الزعماء العرب الطامحين لاحتكار السلطة وتأبيدها وتوريثها ليست إلا وصفة لحروب أهلية عربية مديدة فباستثناء بضعة بلدان عربية، فإن الأنظمة العربية يطابق واحدها الآخر في اعتماد منهاج موحّد يقوم بشكل رئيسيّ على سلطة احتكار شبه مطلقة تقوم على تمجيد الحاكم وتجمّع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في يديه، وتجوّف المجتمع من قواه السياسية والمدنية والإعلامية.

إحدى الوصفات الكبرى التي اعتمدتها الأنظمة العربية (وكان نظاما مصر وسوريا سبّاقين فيها) هي العداء لجماعة الإخوان المسلمين وهذه وصفة مجربة في المجتمعات العربية لحرب أهليّة لا تنتهي، وتقوم على ادعاءات كثيرة منها أن النظام «علماني» وأن الصراع مع «الإخوان» هو صراع أيديولوجي بين «قوى التقدم والحداثة» و«قوى التخلف والرجعية» وليس صراعاّ على السلطة بين قوة كاسرة تريد احتكار السلطة لها ولأبنائها وأقاربها والمحظيين من رجال أعمالها، واتجاهات سياسية متنوعة (حافظ الإسلاميون فيها على قوّتهم فيما تضاءلت قوى الآخرين من ماركسيين وقوميين الخ لأسباب تاريخية عديدة)، أو في الحقيقة بين نظام عسكري – أمنيّ وقوى سياسيّة مدنية.

يكشف زيف ادعاء «العلمانية» وقائع كثيرة، منها أن «الضباط الأحرار» في مصر كانوا، وبينهم زعيمهم جمال عبد الناصر، كانوا متأثرين بالإخوان أو من أعضاء الجماعة، وأن سيد قطب، الزعيم الإخواني الشهير كان مدافعا كبيرا عن أولئك الضباط بعد انقلابهم عام 1952، إلى أن بدأوا بالاستئثار بالسلطة وبدأوا باستهداف القوى السياسية الأخرى كالوفد والإخوان حيث ألقي بقطب في السجن لاحقا وتم إعدامه لتكون تلك إشارة بدء حرب أهليّة مصرية لم تنته حتى الآن.

وإذا كان الصراع مع القوى الأجنبية قد غطّى، إلى حين، على قضية الاستبداد في مصر الخمسينيات والستينيات، فإن ادعاءات العلمانية في مصر السيسي صارت مضحكة مع تحوّل النظام لتبعية ذليلة لأمريكا، ولعلاقات «خاصة» مع إسرائيل، ولعلاقة «كفالة» مع السعودية والإمارات (وهي القوى التي كانت مناهضة لمصر الناصرية)، وهي ادعاءات أكثر بشاعة مع سوريا بشار الأسد التي آلت أيديولوجيتها العروبية والقومية إلى تبعية لإيران خامنئي وقاسم سليماني، وروسيا فلاديمير بوتين.

وبما أننا ذكرنا الإمارات فلنتذكر أنه في عام 2011 حين قدّم 132 ناشطا ومثقفا إماراتيا مذكرة لرئيس البلاد خليفة بن زايد يطالبون فيها بإجراء إصلاحات سياسية منها أن يكون انتخاب المجلس الوطني (البرلمان) ديمقراطيا ويتمتع بسلطات تشريعية كاملة، كان الرد الإماراتي شن حملة اعتقالات بحق الموقعين على المذكرة وذلك بتهم دعم «الفكر الإرهابي» والتآمر للإطاحة بالحكم، وتبعت ذلك تدخلاتها المالية والأمنية والعسكرية التي أججت أوار الحروب الأهلية في اليمن ومصر وليبيا، إضافة إلى تدخلاتها في تونس والمغرب وموريتانيا.

وهكذا فإن المآل العربي صار متشابها بين «العروبيين» الذين صاروا أتباعا لدول أجنبية، والملكيّات التي كانت تناهض طروحات «العلمانية» فارتدت فجأة أقنعة الحداثة والإصلاح والتقدم، والسؤال الآن ما هي الأيديولوجيا التي تريد هذه الدول بيعها لشعوبها لتبرير وقائع الإبادة والاستئصال والتوحش، وهل يدخل تحالفها مع إسرائيل ضمن منظور الحداثة والتقدم والتنمية أم ستنفضح المسألة برمّتها وهي عداء هذه الأنظمة للديمقراطية وللتغيير القادم من الشعوب؟

وسوم: العدد 794