كيف ننقذ بلاد الحرمين من مصيرها السيء ؟!
بلاد الحرمين في محنة كبيرة لم تعرف لها شبيها من قبل ؛ بعد جريمة قتل خاشقجي المروعة ، وزاد النظام السعودي من غضب العالم عليه وازدرائه له بالتبرير الخرافي المتهافت الذي برر به قتله الذي سماه موتا ، وهو أنه بادر إلى مشاجرة الفريق الأمني الذي أراد مساءلته . النظام يعالج الخطأ بخطأ آخر ، ويندفع إلى الأمام بدل أن ينظر في ما بين يديه ، ويعتمد أسلوب المستبدين في اختيار كباش فداء للإفلات من عواقب أخطائه ، وهذا الأسلوب على ما فيه من ظلم لأبرياء قد يكون مجديا حين يكون الخطأ داخلي الأبعاد والتأثيرات ، وليس ذا أبعاد وتأثيرات عالمية مثلما هو خطأ ، بل جريمة قتل خاشقجي والتمثيل به ، أي تقطيعه . بلاد الحرمين عزيزة علينا مهما كان رأينا في نظامها السيء ، وأي ضرر يصيبها يلحق بنا كلنا ، وأعداء بلاد الحرمين الذين تظاهروا طويلا بصداقة نظامها ، وعلى رأسهم أميركا ، سيستثمرون محنتها الحالية ، ويعتصرونها حتى آخر قطرة ، وترامب قال مرة إن السعودية بقرة حلوب يريد حلبها إلى أن يجف ضرعها ، وهو الآن سيحلبها حتى الموت . ولندع المجاز والبلاغة ونوضح أن المصير الذي أعده الغرب وإسرائيل للعرب والمسلمين لا يستثني أي دولة عربية أو إسلامية من سوئه الكبير إلا مؤقتا ، أي حتى يأتي دورها بعد أن يهيء سقوط ما قبلها إلى سقوطها ، وبلاد الحرمين في دائرة هذا المصير ، والحديث عن تقسيمها إلى أربع دويلات قديم . إنهم يخططون تخطيطا صحيحا مبكرا لما يريدونه مستقبلا . ففي كتابه " بين جيلين " تحدث بريجنسكي مستشار الأمن القومي في إدارة جيمي كارتر عن تقسيم الشرق الأوسط إلى كانتونات عرقية وطائفية ودينية في إطار إقليمي متجرد من الرابطة القومية ، العروبة ، ليتاح للكانتون الإسرائيلي العيش فيه . ولا ريب في أن النظام السعودي يركبه الآن الهلع والصدمة ؛ لأنه لم يتخيل ولو لثانية أن قتل خاشقجي سيكون تسونامي مرعبا بهذه القوة والشدة ، وهو الآن يكتم بمشقة واضحة صرخة انفجرت في صدره : " أين المفر ؟! " ، وتأتيه الإجابات من كل جانب : " لا مفر " . ونرى أن تقدم بلاد الحرمين على الخطوات الآتية في سعي للعثور على مفر ولو مؤقتا حتى تستطيع أن تتلاءم مع الأخطار المتدافعة نحوها :
أولا : الوقف الفوري لعدوانها على اليمن إن كانت تملك حرية قرار وقفه . لم يعرف التاريخ إصرارا على مواصلة عدوان فاشل مثل إصرار النظام السعودي في عدوانه على اليمن ، ويكفي أن يكون الشعب اليمني هو المستهدف في هذا العدوان حتى ينتفي وقوعه أصلا ، فما الرأي في مواصلته مع فشله زمنا يوشك أن يتم أربع سنوات ؟! ستكون الجرائم التي اجترحها النظام في هذا العدوان أداة كبيرة ربما تُفَعَل قريبا لتضاعف زخم مفاعيل جريمة قتل خاشقجي .
ثانيا : إزاحة ولي العهد محمد بن سلمان الذي ما من عاقل يراه ملائما أقل ملاءمة لمنصبه ، وانكشاف عدم ملاءمته لا يدفعنا إلى زيادة توضيح وتفصيل ، وقد أضاف المؤرخ البريطاني مايكل بيرني في " ميل أون صانداي " أمس مؤثرا مرضيا يضاعف من افتقار ابن سلمان لملاءمة منصبه ؛ إذ نقل عن مصادر المخابرات الألمانية أنه عولج في صغره في ألمانيا من الصرع ، ولا يستبعد أن شفاءه لم يكن تاما ، ومعروف أن داء الصرع داء عصبي عنيد .
ثالثا : حذف صفة " السعودية " من اسم البلاد . في الاسم الحالي اختزال لشعب في قبيلة .
رابعا : التحول من ملكية مطلقة إلى ملكية دستورية تكون السلطة فيها للشعب ، ووضع دستور للبلاد ، والتوقف عن الخديعة الفضفاضة بأن دستورها هو القرآن الكريم في ظل ما يسمى حاليا " النظام الأساسي للحكم " .
خامسا : تجنب خلق الخلافات والمشكلات في الدول العربية والإسلامية مثلما يفعل النظام في العراق وسوريا ولبنان وإيران وسواها ، وتجنب افتعال الانقسامات المذهبية ، وكل ما يفعله النظام هنا تهربٌ من مشكلاته الداخلية بشغل الناس بالقضايا الخارجية موهما بأن داخله على أحسن المراد ، ومن هنا نسمع ترديد إعلامه ومسئوليه شبه الدائم بأن بلاد الحرمين وقيادتها محسودان من غيرهما .
سادسا : التخلي عن التهافت على التطبيع مع إسرائيل ، ووقف التنسيق معها ضد الدول العربية والإسلامية .
ما سبق ، نصح متواضع ، ورأي مخلص من مواطن عربي يحب بلاد الحرمين أرضا وأهلا ، ولا يحب أن يراها في طريقها الحالي السريع إلى مصير سيء سيصيب بعدوى سوئه الشرير كل العرب والمسلمين ، والمثل يقول : " امشِ عِدِلْ يحتار عدوك فيك ! " .
وسوم: العدد 795