حول بيان المجلس المركزي
بالرغم من لا شرعية المجلس المركزي الذي عُقد في رام الله، بسبب عدم تمثيله للكل الفلسطيني، ولا حتى لجزء صغير بعد أن قاطعته الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والمبادرة الوطنية، وبالرغم من اتخاذه توجهاً انفصالياً، إلاّ أن بيانه الختاميتضمن إيجابيات هامة شريطة أن تجد طريقها للتنفيذ، كما تضمن سلبيات مثل الاستمرار بالدعوة إلى التسوية، ومثل تعليقه الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني مشروطا بالاعتراف بـ"الدولة الفلسطينية"، أو مثل استمراره بتأييد المبادرة العربية للسلام سيئة الذكر والنتائج.
وقد غرق البيان في سلبية دعم سياسات محمود عباس، بما فيها الموقف من استمرار الانقسام وتعطيل المصالحة، وذلك بإلقاء المسؤولية على حماس بدلا من إعادتها كليا إلى إصراره على وضع يد السلطة على سلاح المقاومة وعلى الأنفاق، ومن ثم الانتقال بالوضع المقاوم المنتفض في قطاع غزة، إلى ما يشبه الوضع الكارثي القائم في الضفة الغربية، ولا سيما في إطلاق يد الأجهزة الأمنية في التنسيق الأمني مع الاحتلال والمستوطنين، لمطاردة المقاومة ومناهضة الانتفاضة.
ومن سلبيات البيان؛ توسعه في عدد من بنوده في تأييد سياسات محمود عباس، في ما يتعلق باستراتيجية المواجهة مع العدو الصهيوني التي راهنت ولم تزل على القوى الكبرى (أمريكا، ومجلس الأمن، والمؤتمرات الدولية)، وذلك في الوقت التي غطت تلك السياسات، طوال عهد محمود عباس، استشراء الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، فضلا عن إبقاء المدن والقرى في القدس والضفة مستباحة لقوات الاحتلال، اعتقالا وقتلا للمقاومين، وهدما لبيوت الشهداء.
ولكن، من جهة أخرى، فقد احتوى بيان المجلس المركزي (بالرغم من لا شرعيته المشار إليها أعلاه)، قرارات إيجابية إذا ما نزلت إلى التطبيق العملي ولم تضعها السلطة والرئيس الفلسطيني على الرف، كما حدث مع عدد من القرارات السابقة، وهو ما يتعلق، أولا وقبل كل شيء، في موضوع "وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة"، وهو قرار تكرر صدوره وتكرر وضعه على الرف. ولهذا، من المشروع أن تربط إيجابيته، هذه المرة، بشرط تنفيذه، مع التشديد على هذا الشرط.
أما البعد الثاني الإيجابي والمهم، فهو الموقف من صفقة القرن والاستمرار في قطع العلاقات مع أمريكا، واعتبار واشنطن شريكا مع حكومة نتنياهو وجزءا من المشكلة. وهذا البعد في الحقيقة مطبق، ولكن يجب أن يُشدد على ضرورة عدم التراجع عنه أو اللف والدوران من حوله. ويضاف إلى هذا الموقف؛ إنهاء العمل بـ"اتفاق باريس الاقتصادي الذي لم يعد قائما كذلك".
على أن المرء، وهو يرى إيجابية في الإعلان بأن "المرحلة الانتقالية لم تعد قائمة"، لا يتمالك إلاّ أن يسأل: أبَعدَ خمسة وعشرين عاما من إطالة عمر المرحلة الانتقالية يتذكر المجلس المركزي "أن المرحلة الانتقالية لم تعد قائمة"؟ ماذا يقال في ذلك؟ "صح النوم" أم "صح" التفريط واستغفال الشعب الفلسطيني؟ مرحلة انتقالية وفقا لاتفاق أوسلو الكارثي يفترض ألاّ تتعدى خمس سنوات، يطول عمرها خمس وعشرين سنة عينك عينك!
وكذلك، ماذا يقال بعد 25 عاما حين يأخذ المجلس المركزي قرارا بتكليف الرئيس محمود عباس "بإعادة تشكيل أمانة القدس ومحاسبة مسربي العقارات"؟ هل يغتفر أن تنسى القدس 25 عاما من اتفاق أوسلو حتى بالنسبة إلى قضية خطيرة، وهي محاسبة مسربي العقارات، إلاّ بعد أن افتضح أمرهم منذ شهر بما يشبه "بلغ السيل الزبى"؟.
في الواقع، ثمة عدة قرارات اتخذها المجلس المركزي ويجب اعتبارها إيجابية، ولكنها متأخرة جدا، روحا وشكلا. وبالرغم من ذلك، فأن تأتي متأخرة خيرٌ من ألا تأتي أبدا.
تبقى السلبية الأساسية في بيان المجلس المركزي، بالرغم من أنه لم يرتكب خطيئة حل مجلس الشورى كما طلب المجلس الثوري لحركة فتح، وبالرغم من أنه لم يطالب بتشديد العقوبات على غزة، إلاّ أنه لم يشجب ما سبق وأُنزِل من عقوبات، وهو شيء معيب أن يحدث في الساحة الفلسطينية: أن تقوم سلطة رام الله بمعاقبة جماعية لمليونيْ فلسطيني في القطاع.
المهم، ما نريده في هذا الصدد هو العنب وليس مقاتلة الناطور. فالمطلوب أن يتوقف هذا العداء المُشهر ضد حركة حماس، وعمليا ضد كل فلسطيني يخالف سياسات الرئيس، أو لا يجاريه في ما يثيره ضد حركة حماس وقطاع غزة. فكيف يمكن التوفيق بين إعلان قطع العلاقات بأمريكا وتعليق الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، والأهم "توقيف التنسيق الأمني بأشكاله كافة" من جهة، وفتح معركة فلسطينية- فلسطينية داخلية، من جهة أخرى؟
إن ما أُشيرَ إليه من إيجابيات يتطلب في الآن نفسه إجراء مصالحة، ليس بين الرئيس وحماس، وإنما بينه وبين حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية، وغالبية الشعب الفلسطيني، ومن ثم إنجاز وحدة وطنية لدعم المقاومة، ومسيرة العودة الكبرى في قطاع غزة، وكسر الحصار عن القطاع من جهة، وإطلاق انتفاضة شعبية شاملة في القدس والضفة الغربية لدحر الاحتلال عنهما، وتفكيك المستوطنات منهما، وبلا قيد أو شرط، مع إطلاق سراح الأسرى.. ومن ثم لكل حادث حديث في ما يجب أن نعمله بعد ذلك. ولا بأس أن نختلف وننقسم بعد أن تكون القدس والضفة بحوزتنا، كما قطاع غزة، وبلا قيد أو شرط. عندئذ يمكن أن نختلف بين من يريد التهيئة للتحرير الكامل، ومن يريد إقامة دويلة في الضفة والقطاع، ومن يريد أي مشروع آخر.
إن التركيز على هدفيْ دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات قوي جدا؛ لأن ما من دولة في العالم تستطيع أن تناقش في شرعيتهما. فالاحتلال في نظر العالم كله غير شرعي، والاستيطان جريمة حرب إلى جانب لا شرعيته. وهذان الهدفان غير قابلين للمفاوضة أو المساومة، وما يحتاجان إليه هو انتفاضة شعبية شاملة سلمية مصممة عليهما، حيث لا يستطيع الوضع العربي والإقليمي والدولي والرأي العام العالمي، كما الإسلامي والعربي، احتمال مواجهة شعبية فلسطينية مع الاحتلال عبر انتفاضة تدوم أمدا طويلا (ربما يكفي سنة)، يتعطل معها كل الوضع في منطقتنا. هنا سيجد نتنياهو نفسه محاصرا مختنقا حتى من جانب المهرولين نحوه من "أنذال الأمة"، ناهيك عن الدول والرأي العام العالمي.
إننا في موقع القوة، وأمام ميزان قوى في مصلحتنا، كما أثبتت المواجهة في قطاع غزة خلال الأشهر الستة الأخيرة، وكما أثبتت انتفاضة القدس في مواجهة البوابات الإلكترونية، وأثبتت المواجهة في خان الأحمر، وكما كشفته ردود الفعل من موازين قوى في قضية جمال خاشقجي ونتائجها.
وبالمناسبة، ربما كانت هذه الفرصة الأخيرة لمحمود عباس. ولعل وعسى، وما أضعفهما من من لعل وعسى.
وسوم: العدد 796