موت خاشقجي يؤكد حقيقة طغيان المصالح على المبادىء في السياسة الأمريكية الخارجية
كعادته خرج الرئيس الأمريكي يوم أمس بتصريح من تصريحاته المعهودة منذ توليه الرئاسة مفاده أن مصالح الولايات المتحدة فوق ما ترفعه من شعارات تتغنى بمبادىء ما يسمى بالعالم الحر ، حيث عبر عن عدم استعداده للتخلي عن مليارات الدولارات السعودية للروس والصينيين مقابل الدفاع عن الصحفي جمال خاشقجي الذي قطع تقطيعا في القنصلية السعودية بتركيا .
لقد انتظر العالم يوم أمس كي يطّلع الرئيس الأمريكي على تقارير جهاز مخابراته ليتخذ قراره بخصوص مقتل هذا الصحفي ، فجاء القرار كما كان متوقعا وهو تغليب المصالح على المبادىء، وقد سبق للرئيس الأسبق بوش أن عبرعنه إبان غزوه العراق بقولته المشهيرة " الولايات المتحدة ليس لها عداوات دائمة، ولا صداقات دائمة، ولكن لها مصالح دائمة "، الشيء الذي يعني أنها دولة مصالح وليست دولة مبادىء كما تدعي من خلال ما ترفعه من شعارات زائفة ومضللة.
إن ما صرح به أمس الرئيس الأمريكي يعني أشياء كثيرة أولها أن دم الصحفي السعودي ذهب هدرا بسبب المصالح الأمريكية . ومن يدري لعل الإدارة الأمريكية متورطة في هذه الجريمة البشعة التي اهتز لها العالم ، وأنها هي من أملت على القتلة استدراج الضحية إلى تركيا ليواجه مصيره المأساوي بعيدا عن أراضيها تجنبا للحرج الذي قد يقع فيه القضاء الأمريكي ، الشيء الذي يرجح فكرة عقد صفقة بين النظام السعودي والإدارة الأمريكية التي ظلت تتلكأ في اتخاذ قرار الكشف عن ملابسات الجريمة لتنتهي بتغليب المصالح على المبادىء.
و يثير موقف تغليب المصالح على المبادىء في السياسة الخارجية للبيت الأبيض السؤال التالي : كم هي الجرائم التي وقعت في العالم العربي على وجه الخصوص، وتم السكوت عنها مقابل المال ؟ وكم من المال صرف للإدارة الأمريكية ولغيرها من الأنظمة خصوصا صاحبة الفيتو مقابل السماح بجريان وديان من الدماء العربية التي سالت فوق تراب الوطن العربي ؟
ألم يغز العراق بناء على تقارير المخابرات الأمريكية التي شكك فيها بالأمس الرئيس الأمريكي بخصوص مقتل الصحفي السعودي، وقتل بسببها ما يزيد عن مليون عراقي ، وشنق رئيس العراق ، وقتل نجلاه قتلا لا يقل وحشية عن قتل خاشقجي ، ثم ثبت من بعد أن تلك التقارير كانت مجرد ذر للرماد في العيون للتغطية على غزو حركته المصالح التي تحكم السياسة الأمريكية الخارجية ؟
ألم يستعمل الروس الفيتو عدة مرات للتغطية على جرائم النظام السوري الدموي الذي قتّل مئات الآلاف من أبناء الشعب العربي السوري تقتيلا لا يقل بشاعة عن تقطيع خاشقجي ، وكان ذلك بدافع المصالح التي تشترك فيها الإدارة الروسية مع الإدارة الأمريكية ؟
ألم تتورط الإدارة الفرنسية مع الإدارة الأمريكية في ليبيا بدافع المصالح ، وتسيل فيها وديان من دماء الشعب العربي الليبي ، ولا زالت تسيل ، وأعدم رئيسها الذي صرف الأموال على الانتخابات الرئاسية الفرنسية كما كشف النقاب عن ذلك ؟
أليست المصالح هي التي أخرست دول الفيتو عن التنديد بحرب قذرة تدور اليوم في اليمن البائس ،والذي تحول إلى جحيم بسبب هذه الحرب وما صاحبها من أوبئة ومجاعة ؟ أليست الأموال الخليجية التي تدفع للإدارة الأمريكية وغيرها من الأنظمة الغربية هي سبب سكوتها عن هذه الحرب القذرة ؟
أليست تلك الأموال هي التي أخرست الدول الغربية عن انقلاب دموي في مصر والذي أطاح بتجربة ديمقراطية فتية وبالشرعية فيها ، وعن جرائم بشعة تفوق بشاعتها بشاعة مقتل خاشقجي ؟
لقد أصبح مال ثروة البترول العربي، وهي ثروة الأمة العربية وبالا عليها يصرف لشراء أسلحة تزهق بها الأرواح ، ويحدث بها الدمار والخراب في الوطن العربي ، ويدفع أيضا رشاوى لشراء صمت دول الفيتو على استبداد أنظمة عربية شمولية ضالعة في الإجرام .
وأخيرا نقول ما أشد بؤس العالم العربي اليوم الذي يسود فيه منطق غلبة المصالح على المبادىء لدى دول الفيتو وصانعة الأسلحة و مسوقتها لإضرام نيران الحروب فيه حيث صار دماء أبنائه أهون وأرخص من دم البعوض.
ونختم بالقول ماعليك يا خاشقجي ويا أمثال خاشقجي من ملايين ضحايا الوطن العربي سوى انتظار عدالة السماء في العاجل والآجل ، ويومئذ سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
وسوم: العدد 799