أيها السوريون التعساء.. كلّنا داعش

د. أحمد أبو الهدى

إلى متى نخدع أنفسنا، ونحاول أن نخدع العالم معنا أيها السوريون التعساء؟ أما آن لكم أن تدركوا أن مصيبتكم ليست في الدكتاتورية، ولا في الظلم، ولا في الطغيان، ولا في الضحايا، ولا في الخراب، ولا في أسرة بشار الوحش، بل في أنفسكم؟

ألم يأنِ لكم أن تدركوا أنكم لم تؤتَوا من ضعف ولا من جهل ولا من فقر ولا من قلّة ولا من ظروف ولا من مؤامرة، بل أُتيتم من أنفسكم، الصغيرة أبداً، المتناحرة أبدا، المتكارهة أبدا، المتغطرسة أبدا؟

تُرى، هل كان لقلّة قليلة من العسكريّين الجهلة والأغبياء أن يحكموكم على مدى هذه السنين لو لم تكونوا بتفرقكم أجهل منهم؟ ولطغمة حقيرة من اللصوص والمجرمين والحمقى أن ينهبوكم ويستولوا على ثرواتكم لو لم تكونوا بتناحركم أحمق منهم، ولعصابة كافرة خائنة لأمتها ووطنها أن يظلموكم ويضطهدوكم ويذلّوكم لو لم تكونوا أذلّ وأظلم لأنفسكم منهم؟

نصف قرن من التباغض والتفرق والعنجهية والتعالي والأنانية ورفض الآخر، كان ثمنها المذلة والتشتّت والدمار، وما لا يحصى من الضحايا والمعذّبين والمشوّهين والمعتقلين، ومن التراجع الفكري والأخلاقي والاقتصادي والحضاري، ولم تتعلموا الدرس بعد؟

السكّين ما فتئت تعمل في رقابكم على مدى عقود، ثم أنتم هؤلاء تَسبحون في بحارٍ لا قرار لها من دماء آبائكم وإخوتكم وأبنائكم ونسائكم وأطفالكم، ثم ما تزالون تتخاصمون وتتعاركون وتتصايحون: من منا يتقدّم على الآخر؟ ومن منّا يترأس الآخر؟ ومن يمثلنا دون الآخر؟ ومن يأتي أولاً؟ ومن يأتي ثانياً؟ ومن يؤيّد من، ومن يعارض من؟

ألهذه الدرجة من عمى البصيرة وصلتم، فلا ترون ما يحيط بكم من مصائب وأهوال تصيح بكم: انتهوا، افهموا، اتعظوا، توقفوا، أنتم تهوون في واد سحيق، أنتم منتهون، أنتم منتهون.. ثم لا يحاول أحدكم، وهو يرى طريقه إلى الهاوية بأم عينيه، أن يمدّ يده إلى الآخر ليتشبث بها، فتنقذه وينقذها من السقوط؟

إذا لم توحّدكم مصيبتكم اليوم فما الذي يمكن أن يجمعكم غداً؟ كلّ يقول: لماذا اختاروا فلاناً ولم يختاروني؟ لماذا رأيه وليس رأيي؟ لماذا فريقه وليس فريقي؟ لماذا مدينته وليس مدينتي؟ لماذا حيّه وليس حيّي، لماذا قريته وليس قريتي، لماذا عائلته وليس عائلتي؟ ما الفرق بين نفوسكم البدائية الأمّية الجاهلة، ونفس هذا الطاغية الأرعن في دمشق الذي اجتمعتم على قتاله، وليتكم مجتمعون؟

أعطوني مثالاً عن الفرقة والتشتت، مع توفر كلّ عناصر الوحدة، أوضح من مثالكم، ونموذجاً عن الحمق والجهل، مع توفر كل مقوّمات المعرفة العلم، أصدق من نموذجكم، وصورةً عن التخاذل والإخفاق والضعف، مع توفر كلّ عناصر القوة والنجاح، أبرز من صورتكم.

إذا اجتمع خمسة منكم للنقاش خرجوا من اجتماعهم بثلاثة أحزاب أو أكثر، وإن اجتمع ثلاثة خرجا بحزبين أو جماعتين أو أكثر، وإن اجتمع أحدكم مع نفسه خرج بمؤامرةٍ للغدر بأخيه الذي يقاتل معه على الدرب نفسه، ولمحاربته وإضعافه والإجهاز عليه.

تهاجمون (داعش) وفي داخل كل منكم (داعش) تعلّمه كيف يفرض رأيه على الآخرين، وكيف يكفّرهم سياسيّاً وفكريّاً واجتماعياً ووطنياً وأخلاقياً.

"لينوا بأيدي إخوانكم" قالها نبيكم، لا ليعلّمكم كيف يكون كتف أحدكم ليّناً بيد أخيه وهو يقدّمه أو يؤخره في صلاة الجماعة، فحسب، بل ليعلّمكم كيف تلين أكتافكم ونفوسكم وقلوبكم بأيدي إخوانكم في كل مهمةٍ يدعوكم إليها البناء والحقّ والواجب والمسؤولية والوطن والجهاد.

إن لم تخشوا الله في أنفسكم، فاخشوه في بلادكم وفي أولادكم، وفي الأجيال القادمة التي ستنكّس رؤوسها خجلاً مما فعله آباؤها بأنفسهم وبأوطانهم جرّاء أثَرتهم وأنانيتهم وغطرستهم.

لقد هنتم في عيون أنفسكم فهنتم في عيون العالم من حولكم، فلا نامت أعين الشامتين والمتربصين والجبناء.

ألا تستطيعون أن تنسوا أنفسكم وتذكروا وطنكم؟ اهجروا (أنا)، ولمرةٍ واحدة، وتمسّكوا بـ (نحن)، اطردوا شياطين الفرقة من صدوركم لتحلّ محلها ملائكة الرحمة والعفو والرضا واللين والمحبة والأخوّة والتسامح.

تعاهدوا على الاجتماع، مهما تمرّدت عليكم شياطين أنفسكم، وضعوا لوحدة صفّكم ميثاقاً، إن استطعتم أن تتفقوا على ميثاق، ثم أقسِموا ألاّ يحيد عنه حائد، واجعلوه منهاجاً وشريعة تحتكمون إليهما، وليكن نبيّكم الأمين (ص) هو الحَكَم في كل معضلة تواجهكم، فاستحضروه يأتِكم، واسألوه يُجبكم، واستفتوه يُفْتكم، واستلهموا سنّته وسماحته ولينه وعدله ورحمته، ففيها ما يكفيكم شر خلافاتكم، وما يقيكم شرّ أدواء نفوسكم المريضة.

إن لم تكونوا قادرين على أن تفعلوا ذلك الآن فأنتم لا تستحقّون الحياة، ولن تكونوا جديرين بهذه الأجساد الكبيرة التي تحمل بداخلها مثل هذه النفوس الصغيرة، وما عليكم حينها إلا أن تقتلوا أنفسكم، وتريحوا العباد من أمثالكم، والأرض من أثقالكم، فذلكم خير لكم ولأبنائكم، وللأجيال القادمة من بعدكم، وخيرٌ لسورية، والعرب، وللبشرية كلها على امتداد الزمان والمكان.