القرضاوي التسعيني يهزم قضاء السيسي
ترعرع في كنف الحق فأنف الباطل ونشأ على محاربته، فاعتاد المعتقلات وألف جدرانها واستعذب العزلة فيها بعد أن عرف الطريق وأيقن نهايته واستوثق من موعود الغاية، فدخل السجن أول مرة عام في العهد الملكي، ثم اعتقل ثلاث مرات في عهد عبد الناصر في يناير سنة 1954، ثم في نوفمبر من نفس العام، وما لبث أن خرج من المعتقل بعد مدة تقارب السنتين حتى يعتقل مرة أخرى لغاية عام 1963ليقرر السفر إلى قطر ليعمل هناك لكن هجرته لم تمنعه من مقاومة الظلم رغم بعد المسافات وصعوبة الاتصال.
الدكتور يوسف القرضاوي يعود مرة أخرى إلى المشهد، الذي لم يغب عنه يوما، باستصدار قرار من منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) بإلغاء الإشعارات المتعلقة بملاحقته، وحذف كل الملفات والبيانات المتعلقة بقضيته.
لكن الضربة ليست في استصدار قرار لشخص الرجل، فالضربة الموجعة جاءت من حيثيات هذا القرار الذي صدر من أعلى منظمة منوطة بتنفيذ أحكام القضاء في العالم، فالقرار الصادر عن الإنتربول مبني على أن طلب القبض على القرضاوي المقدم من النظام المصري من أجل محاكمته يحمل بعدا سياسيا وغير منصف، وينتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
هكذا استطاع الشيخ التسعيني أن يوجه ضربة قاصمة لأحد أذرع النظام المصري الانقلابي، الذي طالما اعتمد عليه رأس الانقلاب كأداة ناعمة لتصفية معارضيه، قرار الإنتربول يأتي في وقت بالغ الأهمية، حيث يكشف حقيقة النظام القضائي المسيس الذي قبل أن يكون أداة قمع بدلا من أن يكون مرفق إنصاف، فقضية الصحفي الإيطالي جوليو ريجيني والتي فتحت من جديد ووجه الاتهام فيها لعدد من كبار ضباط الأمن الوطني والمخابرات مع مؤشر بجر قدم رأس النظام في تلك القضية، والتي تؤكد عدم حيادية النيابة العامة ولا القضاء، ستفتح باب جهنم على النظام وتنزع عنه ورقة التوت التي يستر به عورته، وهو كله عورة، وتجر معها المساءلة عن كل المحاكمات الجائرة التي أقامها النظام منذ انقلاب الثالث من يوليو وحتى الآن، تلك المحاكمات التي أصدرت حكما بإعدام 529 مصريا بتهمة قتل ضابط شرطة واحد، وأصدرت حكما على بنات شاركن في مظاهرة بالسجن مدة 17 عاما، وهو نفس القضاء الذي يعتقل ما يقارب الستين ألف مواطن بتهم تثير السخرية دون محاكمة، أو بمحاكمات تفتقد لأدنى معايير العدالة المنصوص عليها في المواثيق الدولية، في الوقت الذي برأ فيه نفس القضاء جميع أركان نظام حسني مبارك المتهمين بقتل ثوار 25 يناير بعد محاكمات استمرت جلساتها سنتين.
القرار الذي استصدره العلامة القرضاوي يجب البناء عليه، والعمل على الاستفادة منه لاسيما أن النظام يواجه انتقادات على المستوى الدولي من تسييسه مرفقا من أهم دعائم الدول الديمقراطية، مرفق القضاء، فالخارجية الأميركية اعتبرت مرفق القضاء في مصر المصدر لأحكام الإعدام كذلك الذي قضى على 529 شخصا دفعة واحدة هو قضاء امتهن المعايير الأساسية للعدالة، بينما قالت النرويج إن أحكام تلك المحاكم “تقتل العدالة”، فيما أبدت ألمانيا رفضها تلك الأحكام ودعت إلى العدول عنها، أما المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة فوصفت هذه الأحكام بأنها “خرق للقانون الدولي”.
والآن بعد صدور الحكم على 1300 مواطن مصري وعشرات الالاف المعتقلين المعارضين لنظام الثالث من يوليو، بات من الواجب بل من أولويات المرحلة العمل بكل جهد لإنقاذ هؤلاء الابرياء من أعواد مشانق مرفق الظلم في مصر، وبات من الواجب على كل قادر أن يضع معوله لهدم هذه الاحكام الصادرة عن مرفق يفقد أدنى مقومات العدالة، وعلى كل حر يرفض الظلم، مهما كانت توجهاته أن يتحرك في البلد الذي يعيش فيه لكشف حقيقة هذا القضاء الذي قبل أن يرفع قداسة العدالة الإلهية عنه ليتدثر بسواد الظلم تحت بيادة العسكر.
وسوم: العدد 803